وفي قوله : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) فهو كذا (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ) فهو من كذا ـ دلائل يستدل بها لمسائل لأصحابنا ؛ من ذلك قولهم في حانوت فيه لؤلؤ وإهاب تنازع فيه دباغ ولؤلؤي ، فإنه يقضي باليد لكل واحد منهما في ذلك للؤلؤي باللؤلؤ وللدباغ بالإهاب باليد ؛ يستدل بغالب الأمر وظاهر اليد ؛ على ما قضى عليها بالمراودة بتمزق القميص من دبر ، وأمثال هذا مسائل يكثر عددها يقضى [فيها] بالدلالة الغالبة ، وإن كان يجوز في الحقيقة على خلاف الظاهر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ).
يشبه أن يكون كيدها أنها لما راودته عن نفسه وأمنته على إظهار ذلك وإفشائه عليه ، فأفشت عليه ذلك ؛ حيث أبي إجابتها ، فقالت : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) ذلك القول منها من كيدهن ، وأصل الكيد والمكر هو الأخذ على الأمن ، والله أعلم.
وفى الآية دلائل لقول أصحابنا في المتاع يختلف فيه الزوجان : فإن كان من متاع الرجال فهو في يد الرجل ، وإن كان من متاع النساء فهو في يد المرأة في قول أبي يوسف ومحمد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا).
يحتمل قوله : (أَعْرِضْ عَنْ هذا) ، أي : عن قوله : (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي).
ويشبه أن يكون قوله : (أَعْرِضْ عَنْ هذا) : عن جميع ما كان بينهما ؛ أي : استر عليها ، ولا تهتك عليها سترها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ).
قال ليوسف ذلك القائل : (أَعْرِضْ عَنْ هذا) ، وقال للمرأة : (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) ، لما ظهر عنده أنها هي التي راودته ودعته إلى نفسها.
ثم اختلف في قائل (١) هذا القول ؛ قال بعضهم : هو زوجها ؛ قال ليوسف : أعرض عن هذا ، ولا تهتك عليها سترها ، لكنهم قالوا : إنه كان قليل الغيرة.
وقال بعضهم : ذلك القائل هو رجل آخر هو ابن عم لها ؛ وهذا أشبه (٢).
وقوله : (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ).
قال بعضهم : قال هذا لها ؛ لأنهم وإن كانوا يعبدون الأصنام فإنما يعبدونها ليقربوهم
__________________
(١) في أ : تأويل.
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ١٩٥) (١٩١٤٦) عن ابن زيد ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٧) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن زيد.