يحتمل وجهين : أحدهما : اذكرني عند ربك ؛ لعلي حبست بلا علم منه وبغير أمره ؛ لأن تلك المرأة هي التي أوعدت له السجن ؛ فوقع عنده أنها هي التي احتالت فى (١) حبسه ؛ فقال لذلك ما قال.
والثاني : يقول : اذكرني بالذي رأيت مني وسمعت ؛ لأنه دعاهما في السجن إلى التوحيد ؛ حيث قال : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ).
قال بعض أهل التأويل : أنسى الشيطان يوسف دعاء ربه الذي أنشأه وخلقه ؛ فلم يدع ربه الذي هو في الحقيقة ربّ (٢).
وقال بعضهم : قوله : (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ) الذي قال له يوسف : اذكرني عند ربك ذكر ربه ، وهذا أشبه ، والأوّل بعيد ؛ لأنه قال في آخره : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف : ٤٥] ، أي : بعد حين (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) [يوسف : ٤٥] دل هذا أنه إنما أنسى الشيطان على ذلك الرجل فلم يذكره عنده حينا.
وقال بعضهم : لم ينسه الشيطان ، ولكن تركه عمدا ؛ لم يذكره عنده ؛ لعله يتذكر ما تقدم من المقال فيزداد غضبا عليه ، فتركه عمدا إلى أن جاء وقته ـ والله أعلم ـ وأضاف الإنساء إلى الشيطان ، وكذلك قال موسى : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ) [الكهف : ٦٣] ، فهو ـ والله أعلم ـ لأن بدء كل شرّ يكون من الشيطان ؛ لأنه يخطر بباله ويقذف في قلبه ويوسوسه ، ثم يكون من العبد العزيمة على ذلك والفعل ، وفائدة النسيان ـ والله أعلم ـ هو أن الله تعالى أراد أن يظهر آية رسالته وحجة نبوته ؛ بكونه في السجن ويظهر براءته في شأن تلك المرأة بشهادة أولئك النسوان ، وذلك علم الأحاديث التي ذكر والرؤيا التي عبرها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ).
قال بعضهم : خمس سنين. وقال بعضهم : سبع سنين (٣) ؛ ونحو ذلك.
__________________
(١) في أ : على.
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٢١) (١٩٣٢٥) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٣٧) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٣) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٢٢) عن كل من : قتادة (١٩٣٣٠ ، ١٩٣٣١) ، ووهب بن منبه (١٩٣٣٢) ، وابن جريج (١٩٣٣٣).
وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٣٨) وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن المنذر وأبي الشيخ عن قتادة ، ولعبد الرزاق وأحمد في الزهد ، وابن المنذر وأبي الشيخ عن وهب بن منبه ، ولابن مردويه من طريق أبي بكر بن عياش عن الكلبي ، ولأبى الشيخ عن قتادة.