وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ).
أي : حتى تأتوني بمواثيق من الله ؛ وبعهود منه.
(لَتَأْتُنَّنِي بِهِ).
فيه دلالة أنه وإن قال (١) : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) واعتمد في الحفظ على الله ، ورأى الحفظ منه ، لم يرسله معهم إلا بالمواثيق والعهود من الله ، وهذا أمر ظاهر بين الناس ؛ أنهم وإن كان اعتمادهم على الله وإليه يكلون في جميع أمورهم في الأموال والأنفس ، ومنه يرون الحفظ فإنه يأخذ بعضهم من بعض المواثيق والعهود ؛ فعلى ذلك يعقوب أنه وإن أخبر أن اعتماده واتكاله (٢) في حفظ ولده على الله لم يرسله معهم إلا بعد ما أخذ منهم العهود والمواثيق.
(لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ).
أي : إلا أن يجمعكم أمر ويعمكم ، ويحيط بكم الهلاك جميعا ؛ فعند ذلك تكونون معذورين ؛ فإما أن يخص به أمر فلا.
والثاني : إلا أن يجيء أمر عظيم يمنعكم عن رده ؛ كأنه خاف عليه من الملك ؛ حيث طلب منهم أن يأتوه به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ) يعقوب (اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) أي : الله على المواثيق والعهود التي أخذتها منكم شهيد ، أو يقول : الله له حفيظ ؛ كما قال : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً). والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ).
قال بعضهم من أهل التأويل : إن يعقوب خاف عليهم العين ؛ لأنهم كانوا ذوي صور وجمال وبهاء ؛ فخشي عليهم العين ؛ لذلك أمرهم أن يدخلوا متفرقين (٣).
وقال بعضهم : خشى عليهم البيات والهلاك ؛ لأنهم كانوا أهل قوة ومنعة ؛ فيخافهم أهل البلد ويفرقون منهم السرقة ؛ فأمرهم بالتفرق ، وهو قول ابن عباس ؛ فإذا كانوا
__________________
(١) في أ : كان.
(٢) في أ : وكلامه.
(٣) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٤٩) عن كل من : الضحاك (١٩٤٩٣ ، ١٩٤٩٧) ، وقتادة (١٩٤٩٤ ، ١٩٤٩٥) ، وابن عباس (١٩٤٩٦) ، ومحمد بن كعب (١٩٤٩٨) ، وابن إسحاق (١٩٥٠٠).
وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٤٩) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس ، ولابن أبي شيبة وابن المنذر عن محمد بن كعب ، ولابن جرير عن الضحاك ، ولابن أبي حاتم عن مجاهد ، ولعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة.