شيء ؛ حيث اتهمهم يعقوب في بنيامين (١) بخيانة (٢) كانت منهم في يوسف ؛ وإن لم يظهر له منهم في أخيه شيء ، وهو حجة لأصحابنا : أن من ظهر فسقه في شيء أو كذبه في أمر ، صار مجروح الشهادة في غيره.
وقوله : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
أي : إن أرسلته فإنما أعتمد على حفظ الله ، وإليه أكل في حفظه ؛ لست أعتمد على حفظكم.
(وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
أي : هو بكل مكروب وملهوف أرحم من كل راحم ؛ لأن كل من يرحم إنما يرحمه برحمة نالها منه. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ).
هذا قد ذكرناه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما نَبْغِي) هذا يحتمل : ما نبغي سوى الثمن ؛ فقد رد إلينا دراهمنا أو يكون قوله : (ما نَبْغِي) وراء هذا كبير شيء ؛ إنما نبغي ثمن بعير واحد وثمن بعير واحد يسير ؛ لأنه قد ردت بضاعتنا ؛ وهو ثمن عشرة أبعرة.
(وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ).
لأنه ذكر أن يوسف كان لا يعطي كل رجل إلا حمل بعير واحد ، ولا يعطي أكثر من ذلك ؛ فقالوا : ونزداد كيل بعير به ؛ ومن أجله.
(ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ).
قال بعضهم : (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) أي : سريع لا حبس فيه : وقال بعضهم : (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) أي : ييسر علينا الكيل ، ولا يحبس عنا الطعام ، ولا يثقل عليه ذلك ؛ بقوله : (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ. فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ) [يوسف : ٥٩ ، ٦٠] فإن لم نأته به فلا كيل لنا ؛ وقد حبسنا عنه. والله أعلم.
ويشبه أن يكون فيه وجه آخر أقرب مما قالوا وهو : أن قوله : (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) أي : طلب ثمن كيل بعير يسير ؛ لأنه قد ردت إليهم بضاعتهم ؛ وهو ثمن كيل عشرة أبعرة ؛ فإنما احتاجوا إلى ثمن كيل بعير واحد ؛ فقالوا : طلب ثمن كيل بعير واحد يسير ، وتكلفة سهلة ؛ وهو ثمن كيل بعير بنيامين (٣). والله أعلم.
__________________
(١) في الأصول : ابن يامين.
(٢) في أ : بجناية.
(٣) في الأصول : ابن يامين.