عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(٦٨)
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ).
فيما يستقبل ويستأنف لقوله : (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ).
(فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ) بالنون ؛ وبالياء (١) : نكتل ، وبالنون أقرب ؛ لأنهم قالوا : منع الكيل منا فأرسل معنا أخانا نكتل ؛ نحن ، يشبه : ويكتل هو إن أرسلته.
(وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
لا يحتمل (٢) أن يقولوا له هذا من غير سبب كان هنالك : من خوف خاف عليه أبوهم من ناحيتهم ، وقد اتهمهم ؛ لأنه كان أخوهم من أبيهم ، خاف عليه أن يضيعوه أو إن استقبله أمر لا يعينونه أو أمر كان لم يذكر ، ولسنا ندرى ما ذلك المعنى والله أعلم بذلك.
(قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ).
وفي حرف ابن مسعود (٣) رضي الله عنه : هل تحفظونه إلا كما حفظتم أخاه يوسف من قبل.
في هذا دلالة أن من ظهرت منه تهمة أو خيانة في أمر ، يجوز أن يتهم فيما لم يظهر منه
__________________
(١) قرأ الأخوان حمزة والكسائي : بالياء من تحت ، أي : يكتل أخونا.
والباقون بالنون ، أي : نكتل نحن ، وهو الطعام ، وهو مجزوم على جواب الأمر.
ويحكى أنه جرى بحضرة المتوكل ، أو وزيره ابن الزيات ـ بين المازنى ، وابن السكيت ـ مسألة ، وهى : ما وزن «نكتل»؟ فقال يعقوب : نفتل ؛ فسخر به المازني وقال : إنما وزنها : نفتعل.
قال شهاب الدين ـ رحمهالله ـ : وهذا ليس بخطإ ؛ لأن التصريفين : نصوا على أنه إذا كان في الكلمة حذف أو قلب حذفت في الزنة ، وقلبت ، فنقول في وزن : قمت ، وبعت : فعت ، وفعت ، ووزن «عدة» «علة» ، وإن شئت أتيت بالأصل ؛ فعلى هذا لا خطأ في قوله : وزن «نكتل» : نفتل ؛ لأنه اعتبر اللفظ ، لا الأصل ، ورأيت في بعض الكتب أن وزنها : «نفعل» بالعين ، وهذا خطأ محض ، على أن الظاهر من أمر يعقوب أنه لم يتقن هذا ، ولو أتقنه لقال : وزنه على الأصل كذا ، وعلى اللفظ كذا ؛ ولذلك أنحى عليه المازني ، فلم يرد عليه بشيء.
ينظر : اللباب (١١ / ١٤٥ ـ ١٤٦).
(٢) ثبت في حاشية ب : غير محتمل ؛ لأنهم قالوا ذلك لما وقع في أنفسهم أنه لا يأمنهم عليه ؛ لأنه سبق منهم خيانة في أخيه ؛ فقالوا ذلك دفعا له ، وأنا لا نفعل به كما فعلنا بأخيه ، بل نحفظه ، فقال لهم ما قال ، والله أعلم. كاتبه.
(٣) والمعنى أنه : أنكم ذكرتم مثل هذا الكلام في يوسف ، وضمنتم لى حفظه حيث قلتم : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) وهاهنا ذكرتم هذا اللفظ بعينه ، فهل يكون هاهنا إلا ما كان هناك؟! فكما لا يحصل الأمان هناك لا يحصل هنا.
ينظر اللباب (١١ / ١٤٦).