وقال بعضهم : رأى في المنام ملك الموت ؛ فقال له ما ذكرنا ؛ فعند ذلك قال هذا القول.
لكنا نقول : إنه كان عالما بأنه في الأحياء ؛ ليس بهالك ؛ لما رأى من الرؤيا وغيره ؛ فعلم أنه لا يهلك إلا بعد خروج رؤياه على الصدق والحق ، لكنه لم يكن يعلم أنه أين هو من قبل ، ثم علم من بعد بالوحي عن مكانه وحاله ؛ فأمر بنيه أن يأتوه ؛ فينظروا إليه وإلى أخيه.
وأصل هذا : أن ما حلّ بيعقوب ـ من فوت يوسف وغيبته عنه ـ محنة امتحنه ربه ، وبلية ابتلاه بها ؛ يبتلى بذلك ؛ حسرة عليه ؛ ألا ترى أن يوسف لو أراد أن يعلم أباه يعقوب عن مكانه وحاله ؛ لقدر عليه ؛ لأنه كان يعلم بمكان أبيه ، وأن يعقوب لا يعلم بمكان يوسف ؛ فلم يعلمه (١) إلا بعد الأمر بالإعلام. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ).
قيل : من رحمة الله (٢).
(إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ).
أخبر أنه لا ييئس من رحمة الله إلا القوم الكافرون ؛ لأن من آمن يعلم أنه متقلب في رحمة الله ونعمته فلا ييئس من رحمته ، وأمّا الكافر ؛ فإنه لا يعلم (٣) رحمة الله ولا تقلبه في رحمته ؛ فييأس من رحمته.
فنهاهم عن الإياس ؛ لما كان عندهم أنه هالك ؛ حيث قالوا : (إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) [يوسف : ٩٥] لما قال لهم : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) [يوسف : ٩٤] وأخوه كان محبوسا بالسرقة ؛ والمحبوس لا يرد في حكمهم.
أو يقول : نهاهم ؛ وإن لم يكونوا آيسين ؛ ثم قوله : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) خبر عن الله ؛ أخبر أنه لا ييئس من [رحمة الله](٤) إلا القوم الكافرون ، وكذلك ما بشر إبراهيم بالولد ؛ حيث قالوا : (بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) [الحجر : ٥٥] نهاه عن القنوط ؛ ولا يحتمل أن يكون إبراهيم قانطا عن ذلك ؛ لكنه نهاه ثم أخبر فقال :
__________________
(١) في أ : يفعله.
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥) (١٩٧٤١ ، ١٩٧٤٢) عن قتادة ، و (١٩٧٤٤) عن الضحاك.
وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦٢) وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة ، ولابن جرير عن الضحاك مثله.
(٣) في أ : لا يعرف.
(٤) في ب : رحمته.