لم يمت وهو ما ذكر (١) ؛ أنه كان يعلم من الله ما لا يعلمون هم.
ويشبه أن يكون قوله : أعلم من الله ؛ أي : أنتفع بعلمي ما لا تنتفعون أنتم ، وأصله : أن إخوة يوسف لو علموا أن أمر يوسف يبلغ ما بلغ من الملك والعز ـ ما قصدوا قصد تغييبه عن والده ، ولا سعوا فيه فيما سعوا من إفساد أمره ، لكنهم لم يعلموا والله أعلم ـ أو علم من الله شيئا لم يبين ما لا يعلمون هم ؛ كقول إبراهيم [...](٢) ، وما ذكر أهل التأويل : أن يعقوب قال : كذا ؛ من النياح على يوسف والجزع عليه ؛ لا يحتمل ذلك ؛ لأنه قال ـ حين أخبروه بذلك ـ : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) وما ذكروا هم منه ليس هو بصير ؛ فضلا أن يكون جميلا.
وقوله : (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ).
قال أهل التأويل : تحسسوا : اطلبوه واستخبروا عنه وعن أخيه (٣) ، لكن غير هذا كأنه أقرب ؛ وهو من وقوع الحس عليه ؛ كأنه قال : اذهبوا فانظروا إليه وإلى أخيه ؛ لأنهم إن لم يكونوا يعلمون أن يوسف أين هو ـ فلقد كانوا يعلمون من (٤) حال أخيه بنيامين أنه أين هو ؛ فلو كان على الطلب والبحث والاستخبار ؛ على ما قاله أهل التأويل ؛ إن احتمل في يوسف فذلك لا يحتمل في أخيه ؛ إذ هم كانوا يعلمون مكانه وأين هو ؛ وإن كانوا لا يعلمون مكان يوسف ولا أين (٥) هو ، وهو إنما أمرهم أن يتحسسوا عنهما جميعا ؛ فدل ـ والله أعلم ـ أنه من وقوع الحسّ والبصر عليهما ؛ لا من البحث والطلب ـ والله أعلم ـ فكأنه علم بالوحي أنه هنالك وأخوه معه ، لكنه لم يخبر بنيه أنه هنالك ؛ لما علم أنهم يتكاسلون ويتثاقلون عن الذهاب إليه ؛ فإنما أمرهم بذلك أمر تعريض لا أمر تصريح.
أو أن يكون قوله : (فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ) على الإضمار ؛ أي : تحسسوا من يوسف واسألوا منه ردّ أخيه ؛ لما علم أن أخاه يكون معه.
وقال عامة أهل التأويل : إنما قال لهم هذا ؛ وعلم أنه في الأحياء ؛ لأنه رأى ملك الموت ؛ فقال له : هل قبضت روح يوسف مما قبضت من الأرواح؟ قال : لا (٦).
__________________
(١) انظر تفسير البغوي (٢ / ٤٤٥).
(٢) بياض في ب.
(٣) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٤٤٦).
(٤) في ب : عن.
(٥) في ب : وأين.
(٦) ذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦١) وعزاه لابن أبي حاتم عن النصر بن عربي ، وكذا ذكره البغوي (٢ / ٤٤٥).