وقوله ـ عزوجل ـ : (تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ).
أي لا تزال تذكر يوسف ولا تنسى ذكره ؛ حتى تسلو ؛ من حزنه ، كأنهم دعوه إلى السلوّ من حزنه ؛ لأنه بالذكر يتجدد الحزن ويحدث ، فقالوا له : لا تزال تذكر يوسف.
(حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً).
قيل : دنفا (١) وقيل : (حَرَضاً) : هرما (٢) ؛ وأصل الحرض : الضعف.
(أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ).
كذلك صار يعقوب ضعيفا في بدنه من الحزن ؛ وصار بعض بدنه من الهالكين ؛ حيث ابيضت عيناه ؛ وذهبتا من الحزن.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ).
قال القتبي (٣) : الحرض : الدنف ، والبث : أشدّ الحزن ؛ لأن صاحبه لا يصبر عليه حتى يبثّه ؛ أي : يشكوه ، وكذلك روي في الخبر : (من بثّ فلم يصبر) (٤) ؛ أي : شكا ، وما ذكر من الشكاية إلى الله ليس على إظهار ذلك باللسان ؛ ولكن إمساك في القلب.
وقال الحسن : (أَشْكُوا بَثِّي) أي : حاجتي وحزني إلى الله (٥) ، ويشبه أن يكون البث والحزن واحدا ذكر على التكرار.
وقال بعضهم : الحرض : الذي قد ذهب عقله من الكبر.
(أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) فتموت والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ).
قال بعض أهل التأويل : قوله : أعلم من الله من تحقيق رؤيا يوسف ؛ أنه كائن ما لا تعلمون : أنتم وأنا سنسجد له (٦).
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : [قوله](٧) : (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أنه حي
__________________
(١) ذكره ابن جرير (٧ / ٢٧٨) والسيوطي في الدر (٤ / ٥٩) وعزاه لابن الأنباري والطستي بمثله عن ابن عباس.
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٧٩) (١٩٦٩٧ ، ١٩٦٩٨) عن قتادة ، و (١٩٦٩٩) عن الحسن.
(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٢١).
(٤) أخرج ابن جرير (٧ / ٢٨٤) (١٩٧٣٨) عن مسلم بن يسار مرسلا ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٥٩) وزاد نسبته لعبد الرزاق عن مسلم بن يسار مرسلا.
(٥) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٨١) (١٩٧١٧ ـ ١٩٧٢٠) ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦٠) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وابن المنذر وأبي الشيخ عن الحسن.
(٦) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٨١) (١٩٧٢١) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦٠) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٧) سقط في ب.