وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا تَاللهِ) هو ما ذكرنا أنه يمين اعتادوه في كلامهم ؛ على غير إرادة القسم به.
(إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ).
قيل في حبّ يوسف ، وذكره القديم كان عندهم ؛ بأنه هالك ؛ لذلك أنكروا عليه وخطئوه ؛ فيما يجد من ريحه ، وعنده أنه في الأحياء (١) ؛ لذلك كان ما ذكروا. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً).
أي رجع بصيرا على ما كان : قال أهل التأويل : البشير كان يهوذا (٢) ، وقيل : البريد (٣) ، ولا ندري من كان ؛ وليس بنا إلى معرفة ذلك حاجة ـ سوى أن المدفوع إليه الثواب كان واحدا ؛ وإن قال في الابتداء : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي).
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ).
قال بعض أهل التأويل : وذلك أن يعقوب قال لهم قبل ذلك : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [يوسف : ٨٦] أنتم ؛ من تصديق رؤيا يوسف ؛ وأنه حي ، وكان يعلم هو من الله أشياء ما لا يعلمون هم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) قال يعقوب : سوف أستغفر لكم ربي.
طلبوا من أبيهم الاستغفار ؛ فأخرهم ذلك إلى وقت ، وطلبوا من يوسف العفو وأقروا له بالخطإ والذنب ؛ فعفا عنهم وقت سؤالهم العفو ، فمن الناس من يقول : إنما أخر يعقوب الاستغفار ؛ وعفا عنهم يوسف ؛ لأن قلب الشاب يكون ألين وأرقّ من قلب الشيخ ؛ لذلك كان ما كان (٤) ، لكن هذا ليس بشيء ؛ إنما يكون هذا في عوامّ من الناس ؛ فأمّا الأنبياء
__________________
(١) في أ : الإخبار.
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩) عن كل من : مجاهد (١٩٨٦٥ ، ١٩٨٦٨ ، ١٩٨٧٠ ، ١٩٨٧١) ، وابن جريج (١٩٨٦٩) ، الضحاك (١٩٨٧١ ، ١٩٨٧٣) ، والسدي (١٩٨٧٢).
وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦٨) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد ، ولابن أبي حاتم عن سفيان.
(٣) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٩٨) (١٩٨٦٢) عن ابن عباس ، (١٩٨٦٣ ، ١٩٨٦٤) عن الضحاك.
وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦٨) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس ، ولأبى الشيخ عن الضحاك مثله.
(٤) في أ : ذكر.