اللهُ آمِنِينَ) ثم لما دخلوا المصر آوى إلى نفسه أبويه وضمهما إليه.
ويشبه أن يكون قال لهم هذا القول ؛ وقت ما قال لهم : (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) و (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) ، ثم لما جاءوا هم ودخلوا مصر ـ ضم إليه أبويه ؛ وأمره إياهم أن يدخلوا مصر آمنين ؛ لأن المصر كان أهله أهل كفر ؛ فكأنهم خافوا الملك الذي كان فيه ؛ فذكر لهم الأمن لذلك. والله أعلم.
وذكر الثنيا فيه ؛ لأنه وعد منه ؛ وعد لهم ؛ والأنبياء ـ عليهمالسلام ـ كان لا يعدون شيئا إلا ويستثنون في آخره ؛ كقوله : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً. إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الكهف : ٢٣ ، ٢٤] وإنما ذكر الثنيا في الأمن ؛ لم يذكر في الدخول ؛ لأن الدخول منه أمر وما ذكر من الأمن فهو وعد ؛ فهو ما ذكرنا : أنه يستثنى في الوعد ولا يستثنى في الأمر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ).
يشبه أن يكون قوله : (آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) هو ما ذكر من رفعه إياهما على العرش ، وخص بذكر أبويه بالرفع على العرش ؛ فيحتمل أن يكون رفع أبويه والإخوة جميعا ؛ لأنه لو لم يرفعهم ـ وقد كان عفا عنهم ـ لما أقروا بالخطإ. وقال : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) [يوسف : ٩٢] لكان يقع عندهم أنه قد بقى شيء مما كان منهم إليه ؛ لكنه خصّ أبويه بالذكر ؛ لشرفهما ومجدهما ؛ على ما يخص الأشراف والأعاظم ؛ نحو قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) [هود : ٩٦ ، ٩٧] ونحوه.
ودل رفع أبويه على العرش ـ على أن اتخاذ العرش والجلوس عليه لا بأس به ؛ إذ لو كان لا يحلّ أو لا يباح ذلك ؛ لكان يوسف لا يتخذه ؛ ولا كان يعقوب يجلس عليه ، دل ذلك منهما أن ذلك مباح لا بأس به. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً).
قال بعضهم ـ من أهل التأويل ـ كانت تحيتهم يومئذ ـ فيما بينهم ـ السجود ؛ يسجد بعضهم لبعض مكان ما يسلم بعضنا على بعض ، وأما اليوم فهو غير مباح ؛ وإنما التحية في السلام (١) ، لكن السجود لغير (٢) الله ؛ ليس يكره لنفس السجود ؛ وإنما يكره وينهى عما في السجود ؛ وهو العبادة والتسفل ، لا يحل لأحد أن يجعل العبادة والتسفل له دون الله ، وأما نفس السجود فإنه كالقيام والقعود ؛ وغيره من الأحوال يكون فيها المرء. والله أعلم.
__________________
(١) أخرجه بمعناه (٧ / ٣٠٣ ، ٣٠٤) (١٩٩٠٢) عن ابن إسحاق ، و (١٩٩٠٣ ، ١٩٩٠٤) عن قتادة.
وذكره السيوطي بمعناه (٤ / ٧١) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن عدي بن حاتم.
(٢) في أ : لدون.