لدى هلاكهم ، [على ما فعل الأولون ؛ فقال : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) قد عفا هذه الأمة إحضار آيات وإنزالها لدى هلاكهم](١) وإن كانوا هم في سؤالهم الآيات معاندين ؛ لأنهم قد جاءهم من الآيات ؛ على إثبات رسالته وإظهارها ؛ ما كفتهم ، لكنهم يعاندون.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) : لا تملك إتيان الآيات ، (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) [العنكبوت : ٥٠] وقال : (لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ) الآية [الأنعام : ٥٨]. أو يقول : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) : ليس إليك إنشاء الآيات واختراعها ؛ (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) [العنكبوت : ٥٠].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ).
أي : داع يدعو إلى توحيد الله ودينه ؛ كقوله : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر : ٢٤].
وقوله : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) يحتمل : لكل وقت هاد.
ثم اختلفوا أنه : من ذلك الداعى؟
قال بعضهم (٢) : الله ، وقال بعضهم (٣) : نبي من الأنبياء (٤) ، وقال بعضهم (٥) : داع ؛ دليل سوى النبي.
وقالت الباطنية : هو إمام يكون معصوما مثل النبي لئلا يزيغ عن الحق ؛ ولكن عندنا معصوما [أو لم يكن معصوما](٦) فإن في القرآن ما يمنع عن الزيغ ؛ ويعرف ذلك منه إذا زاغ ؛ وضل عن الحق.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠١٤٦) وعن سعيد بن جبير (٢٠١٤٢ ، ٢٠١٤٤) ومجاهد (٢٠١٤٥) والضحاك (٢٠١٤٧) وانظر : الدر المنثور (٤ / ٨٦).
(٣) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠١٤٨ ، ٢٠١٥٤) وعن قتادة (٢٠١٥٥) وابن زيد (٢٠١٥٦) وانظر : الدر المنثور (٤ / ٨٦).
(٤) إذا جعلنا (ولكل قوم هاد) كلاما مستأنفا ، فالمعنى : أن الله ـ تعالى ـ خص كل قوم بنبي ، ومعجزة تلائمهم ، فلما كان الغالب في زمن موسى ـ عليهالسلام ـ السحر ، جعل معجزته ما هو أقرب إلى طريقهم ، ولما كان الغالب في زمن عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ الطب ، جعل معجزته ما كان من تلك الطريقة ، وهي إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه ، والأبرص ، ولما كان الغالب في زمان محمد صلىاللهعليهوسلم الفصاحة ، والبلاغة ، جعل معجزته ما كان لائقا بذلك الزمان ، وهو فصاحة القرآن ، فلما لم يؤمنوا بهذه المعجزة مع أنها أليق بطبائعهم ، فبألّا يؤمنوا بباقي المعجزات أولى ، هذا تقرير القاضي ، وبه ينتظم الكلام.
ينظر : اللباب (١١ / ٢٥٧).
(٥) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠١٣٨) وانظر : الدر المنثور (٤ / ٨٦).
(٦) سقط في أ.