للأصنام ؛ كقوله : (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) [مريم : ٤٤] ولا أحد يقصد قصد عبادة الشيطان ، لكنه لما كان الآمر لهم بالعبادة للأصنام صار كأنهم عبدوه ، وإن لم يقصدوه بها ويحتمل ما ذكر من الإنكار من الأصنام.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) أي : كفى الله القاضي والحاكم بيننا وبينكم أنا لم نأمركم بعبادتنا ، وهو العالم بأنا كنا بعبادتكم إيانا غافلين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ) قيل : عند ذلك ، وقيل : يومئذ أي يوم القيامة.
وقوله : (تَبْلُوا) أو (تَتْلُوا) بالباء والتاء (١) ، قيل : تقرأ في الصحف : «ما كتب من أعمالهم» وتبلو بالباء من الابتلاء ، يقال : بلوته وابتليته واحد ، وخبرته واختبرته أيضا ، وقيل : (تَبْلُوا) تجد وتعلم كل نفس ما قدمت من الأعمال [وقيل : تجزى كل نفس بما عملت.
وقيل : (تَتْلُوا) بالتاء أيضا : تتبع ، كل نفس ما قدمت من الأعمال](٢) والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) قيل : ملكهم الحق لأن غيره من الآلهة التي عبدوها قد بطل عنهم وضل في الآخرة.
__________________
(١) وقرأ الأخوان ـ حمزة والكسائي ـ : تتلوا بتاءين منقوطتين من فوق ، أى : تطلب وتتبع ما أسلفته من أعمالها ، ومن هذا قوله :
إن المريب يتبع المريبا |
|
كما رأيت الذيب يتلو الذيبا |
أي : يتبعه ويتطلبه.
ويجوز أن يكون من التلاوة المتعارفة ، أى : تقرأ كل نفس ما عملته مسطرا في صحف الحفظة ؛ لقوله تعالى : (يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها)[الكهف : ٤٩] ، وقوله : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً. اقْرَأْ كِتابَكَ)[الإسراء : ١٣ ، ١٤].
وقرأ الباقون : تبلوا من البلاء ، وهو الاختبار ، أي : تعرف عملها : أخير هو أم شر.
وقرأ عاصم في رواية : نبلو بالنون والباء الموحدة ، أي : نختبر نحن ، و (كُلُ) منصوب على المفعول به ، وقوله : (ما أَسْلَفَتْ) على هذه القراءة يحتمل أن يكون في محل نصب ، على إسقاط الخافض ، أى : بما أسلفت ، فلما سقط الخافض انتصب مجروره ؛ كقوله :
تمرّون الديار ولم تعوجوا |
|
كلامكم علىّ إذن حرام |
ويحتمل أن يكون منصوبا على البدل من «كل نفس» ويكون من بدل الاشتمال. ويجوز أن يكون «نبلو» من البلاء ، وهو العذاب. أى : نعذبها بسبب ما أسلفت ، و «ما» يجوز أن تكون موصولة اسمية ، أو حرفية ، أو نكرة موصوفة ، والعائد محذوف على التقدير الأول. والآخر ، دون الثاني على المشهور.
ينظر : السبعة ص (٣٢٥) ، الحجة (٤ / ٢٧١) ، حجة القراءات ص (٣٣١) ، إعراب القراءات (١ / ٢٦٧) ، إتحاف فضلاء البشر (٢ / ١٠٨ ـ ١٠٩).
(٢) ما بين المعقوفين سقط في أ.