(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) : قال أهل التأويل : يعني العابد والمعبود الذين عبدوا دونه ، ولكن نحشر الخلائق جميعا.
(ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) هذا الحرف هو حرف وعيد ؛ يقال : مكانك أنت ، كذا وإن كان هذا الحرف يجوز أن يستعمل في الكرامات وبر بعضهم بعضا ، ولكن إنما يعرف ذا من ذا بالمقدمات ، فما تقدم هاهنا يدل أنه لم يرد به الكرامة ، ولكن أراد به الوعيد ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) قيل (١) : فرقنا بينهم [وميزنا بينهم](٢) ، أي : بين العابد والمعبود.
ثم يحتمل التفريق بينهم وجوها :
أحدها : فرقنا بينهم في الحساب مما عمل ومما صحب.
والثاني : يحتمل فرقنا بينهم لما طمعوا بعبادتهم إياها والشفاعة أن يكونوا لهم شفعاء عند الله ، ففرق بينهم في الشفاعة. ويحتمل فرقنا بينهم فيما ضل عنهم ما كانوا يفترون ، فصار ما عبدوا ترابا وهم في النار.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ) : يحتمل قوله : شركاؤهم : سماهم شركاء وإن لم يكونوا [شركاء في الحقيقة](٣) لما عندهم أنهم شركاء ؛ كما سمى الأصنام آلهة لما عندهم أنها آلهة.
والثاني : (شُرَكاؤُهُمْ) لما أشركوها في العبادة فهم شركاؤهم ، والله أعلم.
وقوله : (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) : ينطق الله تعالى [يوم القيامة هذه الأصنام](٤) وإن لم يكن في خلقتها النطق في الدنيا ؛ كقوله : (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) [الزلزلة : ٤] ، وقوله : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ ...) الآية [النور : ٢٤] ، أنطقهم ليشهدوا عليهم.
وقوله : (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) : يحتمل الملائكة أن يكونوا هم الذين أنكروا ؛ لأن منهم من يعبد الملائكة ، أنكروا أن يكونوا يعبدونهم ؛ لأن العبادة لآخر إنما تكون عبادة إذا كان من المعبود أمر بها ، وكانت عبادتهم الأصنام عبادة للشيطان لأنه هو الآمر لهم بالعبادة
__________________
(١) ذكره ابن جرير (٦ / ٥٥٥) ، وكذا البغوي في تفسيره (٢ / ٣٥٢) ، وابن عادل في اللباب (١٠ / ٣١٥).
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : في الحقيقة شركاء.
(٤) في ب : هذه الأصنام يوم القيامة.