يجزي بمثلها ، وأما جزاء الإحسان والخير طريق وجوبه [الإفضال والإحسان ليس طريق وجوبه](١) الحكمة ، إذ سبق من الله ، إلى كل أحد من النعم ما ليس في وسعه القيام بمكافأة واحدة منها عمره وإن طال واجتهد كل جهده ، فضلا أن يستوجب قبله جزاء ما كان منه من الخيرات.
وقوله : (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) : هو ما ذكرنا من آثار السيئات التي عملوها في الدنيا ذلا وهوانا لهم (ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) ، وذلك أنهم ـ والله أعلم ـ كانوا يعبدون الأصنام رجاء أن يكونوا [لهم شفعاء](٢) عند الله ، فأخبر أن ليس لهم من عذاب الله مانع يمنع ذلك عنهم ؛ كقولهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ) قيل : ألبست (٣) وأغطيت قطعا مثقلا ومخففا قطعا ، قيل : القطع بالتثقيل هو جمع القطعة ، والقطع بالتخفيف جزء من الليل ، يقال : سرنا بقطع من الليل ، أي : بجزء من الليل ، وقوله : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) [هود : ٨١] أي : بجزء منه ، والله أعلم.
ثم شبه وجوههم بظلمة الليل ، ولم يشبه بسواد الوجوه على ما يكون من سواد الوجوه في الدنيا ؛ فذلك ـ والله أعلم ـ أن سواد الوجوه على ما يكون في الدنيا لا يبلغ من القبح غايته ؛ إذ قد يرغب من كان جنسه ونوعه في ذلك ويحسن ذلك عنده ، فإذا كانت الرغبة قد تقع لبعضهم في بعض لم يبلغ في القبح نهايته (٤) ، وأما ظلمة الليل : فإن الطباع تنفر عنها ، ولا تقع الرغبة فيها بحال ؛ لذلك شبه وجوه أهل النار بها ، والله أعلم.
__________________
ـ (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) أى : هوان وتحقير (ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) أى : ما لهم عاصم من الله في الدنيا ، ولا في الآخرة ، (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ) أى : ألبست وجوههم ، (قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) والمراد : سواد الوجه.
وقال حكماء الإسلام : المراد من هذا السواد : سواد الجهل ، وظلمة الضلالة ؛ فإن العلم طبعه طبع النور ، والجهل طبعه طبع الظلمة.
وقيل : المراد بقوله : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ) : الكفار ؛ لأن سواد الوجه من علامات الكفر ؛ قال تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ)[آل عمران : ١٠٦] ، وقال : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ. تَرْهَقُها قَتَرَةٌ. أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ)[عبس : ٤٠ ـ ٤٢].
وقال القاضي : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ) عام يتناول الكافر والفاسق. وأجيب : بأن الصيغة وإن كانت عامة ، إلا أن الدلائل التي ذكرناها مخصصة ، ثم قال : (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
ينظر اللباب (١٠ / ٣١٣).
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : شفعاء لهم.
(٣) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٣٥١) ، وكذا ابن عادل في اللباب (١٠ / ٣١٣).
(٤) في أ : غايته.