الدلائل والحجج على استحقاق العبادة؟!
(قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِ) : أخبر أن الله هو الذي يهدي للحق. ثم يحتمل الوجهين اللذين ذكرنا : هو يملك الدعاء إلى الحق ويقيموا الدلائل والحجج على ما دعا إليه ، وهو يستحق العبادة له والربوبية.
(أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) : الذي يبين البراهين والحجج ، (أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي) أي : لا يبين ، (إِلَّا أَنْ يُهْدى) ، فإن قيل : ما معنى الاستثناء وهو وإن هدي لا يهتدي؟ قيل : يشبه أن يكون هذا صلة ما تقدم من قوله : (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) [يونس : ٢٨] ينطقهم الله ـ عزوجل ـ يوم القيامة ، فيشهدون عليهم أنهم لم يأمروهم بالعبادة لهم ولا دعوهم لإشراكهم في العبادة ، فيكون قوله : (إِلَّا أَنْ يُهْدى) لما أن يجعلهم الله بحيث يهتدون إذا هدوا ويجيبون إذا دعوا.
(فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) : بالجور وصرف العبادة والشكر إلى من لا يملك ذلك (١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) قال بعضهم : (إِلَّا أَنْ يُهْدى) لا يحتمل الصنم والوثن الاهتداء وإن هدي ، ولكن المراد منه الإنسان. وقال بعضهم : (إِلَّا أَنْ يُهْدى) إلا أن يحمل الصنم ويوضع ، فأما أن يهتدي هو بنفسه فلا ، لكن يحتمل ما ذكرنا أنه إذا صيره بحيث يتكلم ومن جنس ما ينطق وأذن له في النطق احتمل الإجابة والاهتداء ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا) قال بعضهم : هذا في الأئمة والرؤساء منهم حيث عبدوا الأصنام والأوثان وقالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ، وقالوا : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ونحو ذلك من القول ؛ يقول : ما يتبع أكثرهم في عبادتهم الأصنام بأنهم يكونون لهم شفعاء عند الله إلا ظنا ظنوه.
وقال بعضهم : هذا في الأتباع والعوام ليس في الأئمة ؛ ذلك أن الأئمة قد عرفوا البراهين والحجج التي قامت عليهم والآيات التي جاء بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لكن ما قالوا : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [المائدة : ١١٠] ، (ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً) [سبأ : ٤٣] ، (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) [ص : ٧] ونحو ذلك من الكلام ، أرادوا أن يلبسوا على العوام ويشبهوا عليهم ، فاتبع العوام الأئمة فيما قالوا وأنه كذا وصدقوهم ؛ يقول : وما يتبع
__________________
(١) في أ : ذكر.