وعلى ذلك قول عامة أهل التأويل ، كأن هذا يخرج على البشارة : أن منهم من يؤمن به ؛ لئلا يقطع ويمنع دعاءهم ، وأخبر أن منهم من لا يؤمن به ، يؤيسه حتى لا يشتد حزنه على كفرهم.
وجائز أن يكون هذا [: أي : منهم من](١) قد يولد من بعد ، ويؤمن به ، ومنهم من يولد فلا يؤمن.
وقوله : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) يشبه أن يكون معناه : أي : على علم بما يكون منهم من الفساد خلقهم وأنشأهم ، وليس عن غفلة وجهل بالفساد ، ولكن عن علم بذلك ؛ لما لا يضره فساد مفسد ، ولا ينفعه صلاح [من يصلح](٢) ، إنما عليهم ضرر فسادهم ، ولهم منفعة صلاحهم.
ويحتمل أن يكون على الوعيد ، أي : عالم بفسادهم ، فيجزيهم جزاء فسادهم (٣) ، والله أعلم.
وقوله : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) ، تأويله ـ والله أعلم ـ أي : إن كذبت فيما أخبرتكم : أنه جاء من عند الله ، ف (لِي عَمَلِي) ، أي : جزاء عملي (٤) فيما أبلغكم ، أي : فعلي وزر عملي ، (وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) ، أي : فعليكم جرم ما رددتم علي فيما بلغتكم عن الله ، وهو كقوله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) [هود : ٣٥] ، أي : علي جرم ما افتريت إن افتريت ، وعليكم جرم ما رددتم علي فيما بلغتكم عن الله.
ويحتمل : ما قاله أهل التأويل : (لِي عَمَلِي) أي : لي ديني (وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) أي : لكم دينكم.
(أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ).
تأويله ـ والله أعلم ـ أي : أنا لا أؤاخذ بما دنتم أنتم ، ولا أنتم تؤاخذون بما دنت أنا وعملت ، وهو كقوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ...) الآية [الأنعام : ٥٢] ، وقوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ ...) الآية [النور : ٥٤] ، وقوله : (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ ...) الآية [النور : ٥٤] ، وكقوله : (لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا ...) الآية [سبأ : ٢٥].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) أخبر أن منهم من يستمع إليه ، يعني :
__________________
(١) في ب : فيمن.
(٢) في أ : نصلح.
(٣) في أ : الفساد.
(٤) في أ : فعلي.