وقال بعضهم : (لِلْمُتَوَسِّمِينَ) : المعتبرين (١). وقيل : المتفكرين (٢). وقيل : الناظرين (٣). ذكروا أنه آية للمعتبرين ، ولكن لم يبينوا من أي وجه يكون آية لمن ذكر ؛ فيحتمل وجوها :
أحدها : آية للمتوسمين : للمعتبرين (٤) لرسالته ؛ لأنه ذكر قصة إبراهيم ولوط ـ على ما كان ـ وهو لم يشهدها ؛ فذلك يدل على صدقه وآية لرسالته (٥).
والثاني : آية لصدق خبر إبراهيم ، وصدق لوط ؛ لأنهم كانوا يخبرون قومهم أن العذاب ينزل بهم ، وغير ذلك من الوعيد ، فيدل ذلك على صدق خبر الأنبياء عليهمالسلام في كل ما يخبرون.
والثالث : في هلاك من أهلك منهم ؛ ونجاة من أنجى منهم ـ آية لمن ذكر ، من هلك منهم هلك بالتكذيب ، ومن نجا منهم نجا بالتصديق ؛ فيكون لهم آية.
والرابع : قد بقى من آثار من هلك منهم آية ؛ فيكون هلاكهم آية لمن ذكر. وأصل هذا أن الله ذكر : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) : أي : المؤمنين المتقين ، والاعتبار والتفكر للمؤمنين ؛ لأنهم هم المنتفعون. قال : والمتوسم : هو الذي يعمل بعلامة ، وكذلك المتفرس : هو الذي يعمل بعلامة في غيره ، [ينظر في غيره](٦) : بأن هلاكه بم كان؟ فينزجر عن صنيعه ويتعظ به ، وهو كالمتفقه الذي يعمل بالمعنى. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ).
أي : طريق دائم لا يزول ، يعلم أن في ذلك لآية للمؤمنين ؛ وهو ما ذكرنا أن الآية تكون للمؤمن. والله أعلم.
ذكر في الآية الأولى : (الْآياتِ) لأنه أنبأ إبراهيم وقصته ، وقصة قوم لوط ؛ ففي ذلك آيات لمن ذكر. وذكر في هذه الآية : (لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) ؛ لأنه ذكر شيئا واحدا ؛ وهو السبيل.
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢١٢٤٧ ، ٢١٢٤٨) وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة كما في الدر المنثور (٤ / ١٩٢).
(٢) قاله ابن زيد أخرجه ابن جرير عنه (٢١٢٥٣).
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢١٢٤٥) وعن الضحاك (٢١٢٤٦ ، ٢١٢٥٤) وانظر : الدر المنثور (٤ / ١٩٢).
(٤) في ب : المعتبرين.
(٥) في ب : رسالته.
(٦) في ب : ينظرون غيره.