في الشاهد من أمر عبده (١) شيئا ؛ ولم يعلمه ما أمره ، ثم عاقبه بذلك ؛ فهو خارج عن الحكمة ؛ إذ لا سبيل [إلى](٢) الوصول بما أمر به إلا بالتصريح ، ولم يكن منه تصريح إعلام ، لذلك كان ما ذكر ؛ ألا ترى أنه أوعد لهم [الوعيد](٣) الشديد في الآخرة بقوله : (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ).
يحتمل قوله : (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : ليعلم أتباعهم أن الرؤساء كانوا كاذبين ، وإلا كان الرؤساء منهم كانوا كاذبين عند أنفسهم. أو أن يكون قال ذلك لما ادعى أولئك الكفرة أن الآخرة لهم ؛ كقوله : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى ...) الآية [فصلت : ٥٠] فقال جوابا له : ليعلم الذين كفروا منهم أنهم كانوا كاذبين ؛ لادعائهم الآخرة لأنفسهم (٤).
ثم قوله : (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ).
قال بعضهم : إنما اختلفوا في البعث : منهم من صدقه ، ومنهم من كذبه يقول (٥) : يبين لهم ذلك.
ويحتمل قوله : (الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ) أي : في الدين والمذهب ؛ لأنهم اختلفوا في الدين والمذهب ، وكل من ادعى دينا ومذهبا ؛ حتى دعا غيره إلى دينه ومذهبه يتبين لهم المحق منهم من غيره ؛ والصادق منهم من الكاذب.
وقوله : (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ).
يحتمل كفرهم بالبعث ؛ وإنكارهم إياه ، أو كفروا برسول الله صلىاللهعليهوسلم أو وحدانية الله (أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ).
في إنكار ما أنكروا ، يتبين لهم ذلك في الآخرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
يخبر عن سرعة نفاذ أمره ، وسهولة الأمر عليه ، أنه يكون أسرع من لحظة بصر ولمحة عين وفيه دلالة أن خلق الشىء ليس هو ذلك الشيء ؛ لأنه عبّر ب (كن) عن تكوينه ، ويكون عن المكون ، وكذا كنى عنه بالشيء ؛ لقوله : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ) فكنى عنه بوقوع القول
__________________
(١) في أ : وعيده.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : لنفسهم.
(٥) في أ : بقوله.