عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما ...) الآية [الإسراء : ٢٣] ، ومعلوم أنه في وقت ما خوطب به لم يكن أبواه أحياء دل أنه أراد به غيره ؛ فعلى ذلك الأول.
ومن قال : الخطاب والمراد به من غير (١) رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : إن الوفود من الكفرة كانوا يتقدمون رسول الله فيسألونه شيئا فشيئا فيخاطب الذى (٢) يتقدم ، وكان يحضره الوحدان (٣) والجماعة يقول : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ).
وقوله : (أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) على هذا التأويل هو منزل إليه ؛ إذ كل منزل على رسول الله منزل عليه وإليه وإلى كل أحد كقوله : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) [الأعراف : ٣] أمرهم باتباع ما أنزل إليهم دل أن كل منزل على رسول الله منزل عليهم.
ومن قال : الخطاب والمراد به رسول الله قال لما لا يحتمل أن يكون رسول الله يشك في شيء مما أنزل إليه ، ولكنه يريد به التقرير عنده لقول الكفار إن الذي يلقي على محمد شيطان فيريد به التقرير عنده ، أو يخاطب به كل شاك ؛ كقوله : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ. الَّذِي) [الانفطار : ٦ ـ ٧] هو يخاطب إنسانا واحدا ، ولكن المراد به كل إنسان مغرور وكل كافر ، وذلك جائز في القرآن كثير أن يخاطب به كلا في نفسه.
ومن قال : خاطب به رسوله وأراد هو ـ أيضا ـ وهو كان في الابتداء على غير يقين أنه يوحى إليه أو لا ؛ كقوله : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ) [العنكبوت : ٤٨] ، وقوله : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) [الشورى : ٥٢] فقال : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ) الأنباء التي أخبرتهم وأنبأتهم وادعيت أنها أوحيت إليك ليخبروك على ما أخبرتهم.
وقوله : (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) قال بعضهم : فاسأل الذين يقرءون الكتاب يعني من آمن منهم.
وقال بعضهم : سل أهل الكتاب منهم يخبرونك ؛ لأنه مكتوب عندهم ؛ كقوله : (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ ...) الآية [الأعراف : ١٥٧].
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) قيل (٤) : الحق القرآن جاء من ربك ، وقيل : جاء البيان أنه من عند الله.
__________________
(١) في أ : حضر.
(٢) في أ : الذين.
(٣) في أ : الوفد.
(٤) ذكره أبو حيان في البحر (٥ / ١٩١).