وقال قتادة : كانوا يحنون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب الله وذكره (١).
وقال بعضهم : نزلت الآية في رجل يقال له : الأخنس بن شريق الثقفي ، كان يجالس النبي صلىاللهعليهوسلم ويظهر له أمرا حسنا ، وكان حسن المنظر حسن الحديث ، وكان النبي صلىاللهعليهوسلم يعجبه حديثه ويقر به مجلسه ، وكان يضمر خلاف ما يظهر ، فأنزل الله : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ)(٢) يقول : يكتمون ما في صدورهم ويستترون ؛ وهو قول ابن عباس.
وأصل تثنية الصدور هو أن يضم أحد طرفي الصدر إلى الطرف الآخر ليكون ما أضمروا أستر وأخفى.
ويشبه ما ذكر من ثني الصدور أن يكون كناية عن ضيق الصدور ؛ كقوله : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) [الأنعام : ١٢٥] ، أو عبارة عن الكبر ؛ كقوله : (ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ...) الآية [الحج : ٩] ، وكان أصله الميل إلى غيره ، وهو ما قال أبو عوسجة : (يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) أي : يميلون إلى غيره ؛ وكذلك قوله : (ثانِيَ عِطْفِهِ) [الحج : ٩].
وقوله : (لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) قال بعضهم : من الله (٣) ، وقال بعضهم : منه أي من رسول الله (٤) ، لكن إن كانت الآية في المنافقين على ما ذكره بعض أهل التأويل ، فهو الاستسرار والاستتار من رسول الله ؛ لأنهم كانوا يظهرون الموافقة ويضمرون الخلاف له والعداوة ، وإن كانت الآية في المشركين فهو على الاستسرار والاستتار من الله ؛ لأنهم لا يبالون الخلاف لرسول الله وإظهار العداوة له ، وعندهم أن الله لا يطلع على ما يسرون ويضمرون في قلوبهم ، فأخبر أنه يعلم ما أسروا وما أعلنوا ، ففيه دلالة إثبات رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم لأنهم كانوا يسرون ذلك عنه ويضمرونه ، فأخبرهم بذلك ليعلم إنما علم ذلك بالله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) أي : يستترون بها. قال الحسن : (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) في ظلمة الليل وفي أجواف بيوتهم يعلم تلك الساعة ما يسرون
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ٦٢٤) (١٧٩٥٢ و ١٧٩٥٣ و ١٧٩٥٤) عن عبد الله بن شداد.
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٧٩) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن عبد الله بن شداد.
(٢) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٣٧٣) ونسبه لابن عباس.
(٣) ذكره ابن جرير (٦ / ٦٢٧) ، والبغوي في تفسيره (٢ / ٣٧٤) ونسبه لمجاهد.
(٤) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٣٧٤).