قال الحاكم : قيل : التحريم هو للتشبه بالرهبان من النصارى ؛ لأنهم حرموا هذه الأشياء.
وقيل : لأنه تعالى اعلم بالمصالح في التحليل والتحريم ، فكونه (١) حرم ما المصلحة تحليله عصيان ، وإن لم يحرم.
فإن قيل : قد رويتم ما قال صلىاللهعليهوآلهوسلم من المنع من التحريم ، وأكله صلىاللهعليهوآلهوسلم للطيبات ، وما روي عن الحسن وغيره.
وعن علي بن موسى القمي أن الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ قد توسعوا في الحلال ، وكذلك الصحابة ، قال : ورأيناهم لا يعدلون عن الشابة الجميلة إلى العجوز القبيحة ، فما بالهم يعدلون من خبز البر إلى خبز الشعير ، فكيف الجمع بين هذا وبين ما ورد في الزهد ، وفي (٢) الحث عليه ، وبما كان عليه عيسى عليهالسلام ويحيى بن زكرياء ، وما فعله أمير المؤمنين من التزهد (٣) ، وبما ورد في الحديث من رواية أبي طالب في الأمالي «أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أفطر بقباء يوم الجمعة ، فأتاه أوس الأنصاري بقعب فيه لبن مخيض بعسل ، فلما وضعه على فيه نحاه ، ثم قال : «شرابان يجزي أحدهما دون الآخر» ، ثم قال : «لا أشربه ولا أحرمه ، ولكن أتواضع لله عزوجل ، فإنه من تواضع لله رفعه الله ، ومن تكبر قصمه الله ، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله ، ومن أكثر ذكر الله أحبه الله عزوجل».
جواب ذلك أنا قد بينا الممنوع المحرم من اعتقاد تحريم الحلال ، وإظهار التحريم ، والتشبه بالنصارى ونحو ذلك ، فإن لم يحصل واحد مما ذكرنا فالحالات تختلف ، فمن كان يقتدي به في القنوع باليسير ، والرغبة
__________________
(١) قوله (فكونه) أي : العبد.
(٢) في نسخة (والحث عليه) وفي نسخة (في الحث عليه) بدون واو.
(٣) تقدم ذكره في قوله تعالى : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) من هذه السورة.