وقيل : إن ابن عباس سأل عثمان عن ذلك فقال عثمان : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا نزلت آية قال : «اجعلوها في موضع كذا وكذا في السورة» وتوفى رسول الله ولم يبين أين توضع وهي آخر سورة نزلت ، وكانت قصتها مشابهة لقصة الأنفال ، فلذلك قرنت بها فكانتا يدعيان القرينتين ، وهذا قريب من الأول.
قيل : وترك بينهما فرجة لقول من قال : إنهما سورة ، قال : وحذفت البسملة لقول من قال : إنهما سورة واحدة ذكر ذلك جار الله.
قال الحاكم : وهذا لا يصح ؛ لأنه صلىاللهعليهوآله لم يخرج من الدنيا حتى تم الدين ، وبين مواضع القرآن.
وقيل : مواضع الآيات ، والوصل والفصل بينهما ، ومواضع السور ، كل ذلك طريقه الوحي ، والبسملة هنا لم تنزل ، وإنما لم تثبت لأن بسم الله الرحمن الرحيم للأمان والرحمة ، وبراءة نزلت لرفع الأمان ، وهذا مروي عن عليهالسلام علي عليهالسلام ، وسفيان بن عيينة ، وأبي العباس.
قال ابن عيينة : ولهذا قال في سورة النساء : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً)(١).
وأما كونه صلّى الله عليه يكتب إلى أهل نجران : (بسم الله الرحمن الرحيم) ، فإنما كان ذلك لأنه ابتداء الدعاء لا نبذ العهد.
والنبذ هو : البراءة واللعنة ، وأهل الحرب لا يسلم عليهم ، ولا يقال لأحدهم : لا بأس عليك ، لا تخف ، إلا وكان أمانا له.
وهذا يتضمن حكما شرعيا ، وهو أن التسمية في نبذ العهد لا تذكر في الكتاب بالنبذ ، وأن السّلام على أهل الحرب كالأمان لهم.
__________________
(١) في قصة محلم بن جثامة الليثي ، قد تقدمت مستوفاة هناك ، في تفسير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ) الآية في النساء.