كقولهم : لا أزال ، لأنّ (١) برح وزال اقتضيا معنى النفي ، ولا للنّفي ، والنّفيان يحصل من مجموعهما إثبات ، وعلى ذلك قوله تعالى : (لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ)(٢). قلت : برح وأخواتها وهي : زال ، وفتىء ، وانفكّ لازمها النفي وشبهه (٣) ، وقد تحذف كقوله : (تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ)(٤) ، وهو منفيّ في اللفظ مثبت في المعنى ، لأنّ معناه أداوم على كذا. ولذلك لم يدخل الإيجاب بإلا في خبرها. وما ورد غيره مؤوّل كقوله (٥).
ولكن ما ذكره من حصول الإثبات بالطريق المذكور ينتقض بفتىء وانفكّ. فالطريق فيه ما قدّمته من المعنى. ولما تصوّر من البارح التشاؤم اشتقّوا منه التّبريح وهو الشدّة ، وجمعه التّباريح.
وبرّح به ، وضرب مبرّح ، وجاء بالبرح. وقيل : برحى للرامي المخطيء دعاء عليه ، ومرحى دعاء له. ولقيت منه البرحاء والبرحين أي الشدائد. وبرحاء الحمّى : شدّتها.
وأبرحت ربّا وأبرحت جارا (٦). والبارحة : الليلة الماضية (كذا أطلقه الراغب ، والصواب أنه لا يقال لليلة الماضية : بارحة ، إلا بعد الزوال ، وإلا فهي الليلة) (٧). ومنه قوله عليه الصلاة والسّلام : «من رأى منكم الليلة (٨) رؤيا» وذلك بعد مضيّ الليلة. قال : «ما أشبه الليلة بالبارحة» (٩). وفي الحديث : «نهى عن التّوليه والتّبريح قتلة السوء» (١٠) ،
__________________
(١) في الأصل : إنّ ، والسياق يذهب ما ذكرنا.
(٢) ٦٠ / الكهف : ١٨.
(٣) يعني النهي أو الدعاء ، وهي تعمل بشرط النفي وشبهه (أوضح المسالك : ١ / ١٦٣) وقوله : وقد تحذف ، يعني : لا.
(٤) ٨٥ / يوسف : ١٢.
(٥) بياض في الأصل.
(٦) جزء من بيت للأعشى (الديوان : ٤٩) لم يشرح المؤلف المعنى ، ولعله سقط من الناسخ سهوا وهو يريد : أعجبت وبالغت وأكرمت (كذا تعليق اللسان) ، وتمام البيت :
أقول لها حين جدّ الرحي |
|
ل : أبرحت ربا وأبرحت جارا |
أما رواية الصدر على الديوان فهي : تقول ابنتي حين ... وعندئذ بفتح التاءين.
(٧) ساقط من ح.
(٨) الحديث في تهذيب الأسماء : ٢ / ٢٤ : «هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا».
(٩) المستقصى : ٢ / ٣١٢ ، يضرب للمتشابهين.
(١٠) النهاية : ١ / ١١٣ ، وفيه مسألة السمك.