أن كتاب المفردات كان في متناول يده مباشرة حين ألف «عمدة الحفاظ». وكان أحيانا يسجل اسم الراغب وأحايين لا يذكره. وقد يقول : «قال بعضهم» أو «قال بعض أهل اللغة» ، وهو إنما يعني الراغب نفسه. وهو غالبا إذا ذكره فلينتقده ، ويجرّح رأيه ، أو يهاجم نقله.
على أننا نرى ـ بحقّ ـ أن كتاب عمدة الحفاظ أوسع أفقا وثقافة ومادة من كتاب المفردات ؛ فهو أولا من حيث الحجم يبلغ أربعة أضعاف ونيّفا. وثانيا قلّما يستشهد الراغب بالأحاديث والأشعار ، في حين أن السمين يكثر منها. وقلّما يتعرّض الراغب لمسألة لغوية أو نحوية أو صرفية ، في حين أن السمين واسع الباع فيها.
كما أن الراغب لم يذكر كلّ مفردات القرآن الكريم مثل كلمة «ألات». ثم هو كثير الاختصار ، وفي مفرداته تقديم وتأخير. ناهيك عن أنه لا يراعي تسلسل الحرف الثاني والثالث من اللفظة ؛ فقد تجد بخل قبل بخس ، وبدل وبدن قبل بدأ.
على أن هذه النقول سهّلت علينا توثيق المتن ، وحسّنت من التصويب والقراءة ، وعملت على خدمة الكتاب ، ولا سيما إذا تذكرنا أن الناسخين لم يكونوا مخلصين في نقولهم ، أو على الأقل لم يكونوا ـ من الناحية العلمية ـ على مستوى النص.
نسخ عمدة الحفاظ :
من حسن حظ التراث العلمي الحلبي أن حفظت المكتبة الأحمدية مؤلفات نادرة. وقد نقلت مؤخرا إلى مكتبة الأسد بدمشق. ومن جملة هذه الكنوز الدّفينة نسختان كاملتان من كتاب عمدة الحفاظ ، استطعنا الاطلاع عليهما ودراستهما ، ومن ثمّ تصويرهما. وقد تجّمع لدينا ثلاث نسخ حسنة تقريبا ، ولكنّ واحدة منها لم تكن بخطّ المؤلف. فتخيّرنا الأقدم ، والأكمل ، والأفضل أمّا ، وجعلنا الأخريين رافدتين.
١ ـ النسخة الأم : ودعوناها (ح) نسبة إلى حلب ، وهي مخطوطة محفوظة في خزانة المكتبة الأحمدية تحت رقم ١١٥ / خاص ، مؤلفة من ٤٤٠ ورقة ، أبعاد الصفحة منها ١٠* ٢٤ سم ، ناسخها عبد الرحمن بن محمد المنشاوي ، نسخها «يوم الخميس الثامن أو التاسع من ذي الحجة ختام عام سنة واحد وثلاثين وألف».