التفتيش. قال الهرويّ : أي فتّشوه. قلت : ويؤيد هذا المعنى ما قدمته من الحديث الآخر. وقيل : الحرث : إلقاء البذر في الأرض وتهيئتها للزراعة. ويطلق على نفس المحروث ، كقوله : (أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ)(١).
وتصوّر منه العمارة التي تحصل عنه في قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها)(٢) ، فسمّى ما يكدح له الإنسان من الأعمال الموصلة إلى الثواب أو العقاب حرثا ، لأنّ نتيجته عمارة ما قصده الحارث. ويعبّر به عن الكسب.
وفي الحديث : «أصدق الأسماء الحارث وهمّام» (٣) لأنّ كلّ أحد لا بدّ أن يحرث ، أي يكتسب لأمر دنياه أو لأمر آخرته وكلّ واحد لا بدّ أن يهمّ إما بخير أو بشرّ. وفي حديث بدر : «قال المشركون : اخرجوا إلى معايشكم وحراثتكم» (٤) أي مكاسبكم ، الواحدة حريثة. وقيل : الحرائث : الإبل. ويروى حرائبكم بالموحّدة (٥) ، وهو المال الذي به قوام صاحبه.
وقوله : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ)(٦) سماهنّ حرثا على الاستعارة البليغة ، فإنهنّ بمنزلة الأرض المبغى منها طلوع البذر ونموّه ، وجعل النّطف الملقاة من أصلاب الرجال في أرحامهنّ بمنزلة البذر ، وهذا في غاية الفصاحة والبلاغة.
وفي الحديث : «احرث لدنياك [كأنك] تعيش أبدا» (٧) أي اجهد في تحصيل ما ينفعك. يقال ؛ حرثت وأحرثت ثلاثيا ورباعيا. وتصوّر من الحرث معنى التّهيّج فقيل : حرثت النار ، ولما تهيّج به محرث كمنجل. وحرث ناقته أي استعملها. وقال معاوية
__________________
(١) ٢٢ / القلم : ٦٨.
(٢) ٢٠ / الشورى : ٤٢.
(٣) النهاية : ١ / ٣٦٠ وليس فيه «همام». الحارث : الكاسب.
(٤) النهاية : ١ / ٣٦٠.
(٥) أي بالباء الموحّدة.
(٦) ٢٢٣ / البقرة : ٢.
(٧) النهاية : ١ / ٣٥٩ ، والإضافة منه وفي المفردات (ص ١١٢): «احرث في دنياك لآخرتك».