الحادي عشر : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١).
(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) إذ ظرف وضع لزمان نسبة ماضية وقع فيه اخرى ولذلك وجب إضافته إلى الجمل ، ومحلّها النصب أبدا بالظرفيّة ، وأمّا قوله (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ) ونحوه فعلى تأويل اذكر الحادث إذا كان كذا فحذف الحادث ، وأقيم الظرف مقامه ، وعامله هنا قال ، أو اذكر على التأويل المذكور متعلّق الظرف محذوف أي واذكر والمخاطب نبيّنا ـ صلوات الله عليه وآله ـ ويكون الظرف بمعنى الوقت فقط ، ويحتمل انتصابه بقال ، وسيجيء. والابتلاء الاختبار والامتحان ، والمراد هنا الأمر والتكليف عبّر عن تكليفه إيّاه بالبلوى تشبيها لأمره تعالى بأمر المخلوقين ، وبناء على العرف بيننا فإنّ كثيرا منّا قد يأمر ليعرف ما يكون من المأمور حينئذ وإلّا فكيف يجوز حقيقة الابتلاء عليه تعالى مع أنّه عالم بجميع المعلومات الّتي لا نهاية لها على سبيل التفصيل من الأزل إلى الأبد.
وقيل : إنّه مجاز عن تمكينه العبد من اختيار أحد الأمرين ما يريد الله وما يشتهيه هو كأنّه يمتحنه ما يكون منه حتّى يجازيه ، وأكثر المفسّرين على الأوّل يعنى أنّه أمره.
(بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) أي أدّاهنّ كملا وقام بهنّ حقّ القيام لقوله (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) وقد فسّرت الكلمات بتفسيرات عديدة :
فقيل : هي ما ذكره من الإمامة ، وتطهير البيت ورفع قواعده والإسلام قبل ذلك وقوله (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ).
وقيل : هي مناسك الحجّ كالطواف والسعي والإحرام والتعريف وغيرهنّ.
وقيل : ابتلاه بالكواكب والقمر والشمس والختان وذبح الولد والنار والهجرة.
__________________
(١) البقرة ١٢٤.