(لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) يحتمل أن يكون المراد جميع الخلق كما يخاطب الرؤساء ، والمراد جميع الرعية ، وأن يكون المراد هو حقيقة : أي لا نسألك إن ترزق نفسك ولا أهلك نحن نرزقك ، والخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والمراد جميع الخلق : أى نحن المتكلّفون بما يحتاجون إليه من الرزق ، ولا نسترزقهم فيجب أن يفرّغوا بالهم للصلاة ونحوها من العبادات المأمور بها ولا يلتفتوا إلى أحوال الدنيا ، ولهذا ورد : من كان لله كان الله له ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس ، ومن أصلح أمر دينه أصلح الله أمر دنياه ، ويؤيّد ذلك ما في قوله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (١) وقوله تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) (٢) ونحوها ، وعن بكر بن عبد الله المزني أنّه كان إذا أصاب أهله خصاصة قال : قوموا وصلّوا بهذا أمر الله ورسوله ثمّ يتلو هذه الآية ، ويحتمل اختصاص عدم طلب الرزق بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم وأنّه تعالى يرزقه ، وأهل بيته من غير طلب وكسب : أي أقبل أنت مع أهلك على عبادة الله والصلاة واستعينوا بها على حاجتكم ولا تهتمّ بأمر المعيشة فإنّ رزقك يأتيك من عندنا ونحن رازقوك ولا نسألك أن تطلب رزقا ، ولا أن تسعى في تحصيله ففرّغ بالك لأداء الرسالة وعبادة الله تعالى وأمر الآخرة ، ويكون المراد بذلك طلب ترك الكسب للرزق منه بالكلّيّة ، والتوجّه إلى ما أمر به ، والتصبّر على مشاقّ الصلاة وأداء الرسالة ، وعدم تكليفه بطلب رزق نفسه ولا عياله ، ويؤيّد ذلك ما روى عن أبى جعفر عليهالسلام (٣) أمره الله أن يخصّ أهله دون الناس ليعلم الناس أنّ لأهله عند الله منزلة ليست للناس إذ أمرهم مع الناس عامّة. ثمّ أمرهم خاصّة ، وروى بن عقدة (٤) وغيره أنّه لمّا نزلت هذه الآية كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) الطلاق ٢ و ٣.
(٢) الذاريات ٥٦.
(٣) انظر تفسير البرهان ج ٣ ص ٥٠.
(٤) ترى روايات ابن عقدة في البحار ج ٩ خلال ص ٣٨ إلى ٤٥ وترى روايات إتيان ـ