ثيابه ، وتطيّب بأطيب طيبه ، وركب أفضل مراكبه فخرج إليهم فوافقهم قالوا : يا ابن عبّاس بينا أنت خير الناس أتيتنا في لباس الجبابرة ومراكبهم. فتلا هذه الآية (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) الآية فالبس وتجمّل فإنّ الله جميل يحبّ الجمال.
ثمّ إنّه تعالى أشار إلى بيان أصول الأفعال المحرّمة ، وحصرها في ستّة أنواع لأنّ الجناية إمّا على الفروج ، وأشار إليها بقوله (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) أي جهرها وسرّها ، وإمّا أن يكون على العقول ، وهي شرب الخمر وإليها أشار بقوله (وَالْإِثْمَ) فإنّ الإثم من أسماء الخمر ، وقيل : الفواحش ما تزايد قبحه وتشايع ، والإثم عامّ لكلّ ذنب فهو تعميم بعد تخصيص ، وإمّا أن يكون الجناية على النفوس والأموال والأعراض وإليهنّ أشار بقوله (وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) والجارّ متعلّق بالبغي مؤكّد له معنى كقوله تعالى (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ) ومعنى كونه بغير الحقّ أنّهم يقدمون على إيذاء الناس بالقتل والقهر من غير أن يكون لهم حقّ إذ لو كان لهم فيه حقّ ليخرج عن أن يكون بغيا ، وإمّا أن يكون الجناية على الأديان إمّا بالطعن في التوحيد ، وإليه أشار بقوله (وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي لم تقم به عليه حجّة وهو تهكّم بالمشركين. فإنّ كلّ مشرك فهو بهذه المثابة ليس عليه حجّة ولا برهان ، وفيه إيماء إلى وجوب اتّباع البرهان لأنّ ترك مقتضى البرهان اتّباع ما لم يدلّ عليه برهان. فتأمّل.
وإمّا بالافتراء على الله ، وذلك قوله (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) بالإلحاد في صفاته ، والافتراء عليه ، ومنه إسناد الأمور الغير الصادرة عنه إليه كالقول بأنّ الحكم في المسئلة كذا مع أنّه ليس كذلك ، ويدخل في ذلك الفتوى والقضاء بغير الاستحقاق وهو ظاهر ، وحيث إنّ الحصر فيها إضافيّ كما أشرنا إليه فلا يضرّ وجود محرّمات غيرها كثيرة.
فإن قيل : الفاحشة وغيرها ممّا قيل هنا هي الّتي نهي الله تعالى عنها فيصير تقدير الآية : إنّما حرّم ربّى المحرّمات ، وهذا كلام خال عن الفائدة.
قلنا : كون الفعل فاحشة عبارة عن اشتماله في ذاته على أمور باعتبارها يجب النهي