(إِلى حِينٍ) أي مدّة من الزمان فإنّها لصلابتها تبقى مدّة مديدة أو إلى أن تقضوا أوطاركم منها أو إلى وقت الموت وفي الكشّاف إلى يوم القيامة ، والآية وإن كانت مطلقة في اتّخاذ الجلود سواء كانت مذكاة أم لا إلّا أنّها مقيّدة بالمذكاة عندنا لإجماعنا على تحريم استعمال جلد الميتة نعم الأصواف والأشعار والأوبار باقية على إطلاقها لعدم تنجّسها بالموت فإنّها ممّا لا تحلّه الحياة ، وهذه الآية كسابقتها في الدلالة على إباحة أخذ اللباس من أشعار الأنعام وأصوافها وأوبارها ، وجواز الصلاة فيه على ما تقدّم. ثمّ إنّه تعالى عدّ نعما أخر. فقال :
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ) من الأشجار والأبنية وغيرها.
(ظِلالاً) أشياء تستظلّون بها في حالتي الحرّ والبرد.
(وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) جمع كنّ وهو الموضع الّذي يسكن فيه كالبيوت المنحوتة والكهوف والغيران.
(وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ) ثيابا من الصوف والكتّان والقطن وغيرها جمع سربال.
(تَقِيكُمُ الْحَرَّ) أي تمنع من وصول أذى الحرّ إليكم ، وخصّه بالذكر مع أنّ وقايتها البرد أكثر اكتفاء بأحد الضدّين فإنّ ما يقيه يقيه واختاره على البرد لأنّ المخاطبين أهل البلاد الحارّة فحاجتهم إلى ما يقي الحرّ أشدّ أو لأنّ الحرّ يقتل دون البرد على ما قيل أو لأنّ البرد يمكن دفعه بحرّ النار والدخول في البيوت ولا كذا الحرّ. وفيه تأمّل قال الزجاج : كلّما لبسته فهو سربال فعلى هذا يشتمل الرقيق والكثيف والساذج والمحشو من الثياب.
(وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) أي حروبكم وشدّة الطعن والضرب الحاصلين بها وهي الدروع والجواشن ، وفي الآية دلالة على إباحة هذه الأمور ، وجواز الصلاة فيها على الوجه المتقدّم.
(كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) أى كما أنعم عليكم بهذه النعم ينعم عليكم بجميع ما تحتاجون إليه ، وهو المراد بإتمام نعمته في الدنيا.