الحرام عام الحديبيّة. فإنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقول لمن أذى صالحا واحدا : من أظلم ممّن أذى الصالحين ، ومثله (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (١) والمنزول فيه الأخنس بن شريق وهو في القرآن كثير ، ولو قلنا : إنّ المراد جميع المساجد نظرا إلى عموم اللفظ أيضا فلا إشكال في العموم.
وكذا لو قيل : إنّ المراد بها جميع الأرض لقوله صلىاللهعليهوآله : جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا. وقد اعترف البيضاوي والكشّاف بعموم التحريم.
(وَسَعى فِي خَرابِها) إمّا بالهدم أو بتعطيل الذكر ويمكن حمله على ماله دخل في خرابها ويرجع فيه إلى العرف. فكلّ ما يعدّ تخريبا فهو حرام كهدم جدرانها وأخذ فرشها واشغالها بما ينافي العبادة وغير ذلك. فيكون فيها دلالة على تحريم جميع ذلك كما قاله الفقهاء.
ويحتمل أن يكون إيرادا لما تقدّم بعنوان آخر موضحا لقبحه وبيانا لشدّته ومبالغة في التفضيح والتشنيع فيفيد أنّ المنع من الذكر سعى في خرابها ، وقد يشعر بأنّ في الذكر تعميرا ، وفي المنع تخريبا بل لأنّ المنع تخريب والذكر تعمير.
قيل : إنّ قوله (وَمَنْ أَظْلَمُ) الّذي هو في قوّة ليس أحد أظلم ليس على عمومه لأنّ الشرك أعظم من هذا لقوله (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (٢) وكذا الزنا وقتل النفس.
وأجيب بأنّ الظلم وضع الشيء في غير موضعه ، وإذا كان المسجد موضوعا لذكر الله فيه فالمانع من ذلك وضع الشيء في غير موضعه فيكون ظالما ، وأمّا أنّه لا أظلم منه فلأنّه إن كان مشركا فقد جمع مع الشرك هذه الخصلة الشنعاء فهو أظلم من الشرك وحدة ، وإن كان يدّعي الإسلام ففعله مناقض لدعواه لأنّ من اعتقد أنّ له معبودا
__________________
(١) الهمزة ١.
(٢) لقمان ١٣.