عرف وجوب عبادته له شرعا أو عقلا ، والعبادة تستدعي مكانا لها لا محالة فتخريب المعبد ينبئ من إنكار العبادة ، وإنكارها يستلزم إنكار المعبود فهذا الشخص لا يكون مسلما ، وإنّما هو منخرط في سلك أهل النفاق ، والمنافق أسوء حالا من الكافر الأصليّ بالاتّفاق فظهر من ذلك أنّه لا أحد أظلم من المانع.
(أُولئِكَ) أي المانعون.
(ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) أي ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها إلّا بخشية وخشوع فضلا عن يجترؤوا على تخريبها أو ما كان لهم أن يدخلوها إلّا خائفين من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلا عن أن يمنعوهم عنها ، وما كان لهم في علم الله وقضائه أن يدخلوها إلّا خائفين فيكون وعدا للمؤمنين بالنصرة عليهم واستخلاص المساجد منهم وقد أنجز ما وعده.
وقيل : إنّ المراد أنّه ليس لهؤلاء المشركين دخول المسجد الحرام ولا دخول غيره من المساجد.
فإن دخل منهم داخل إلى بعض المساجد كان على المسلمين إخراجه منه إلّا أن يدخل إلى بعض الحكّام بخصومة بينه وبين غيره فيكون في دخوله خائفا من الإخراج على وجه الطرد بعد انفصال خصومته ولا يقعد فيه مطمئنّا كما يقعد المسلم.
قال الشيخ في التبيان : وهذا يليق بمذهبنا. ثمّ قال : ويمكن الاستدلال به على أنّ الكفّار لا يجوز أن يمكّنوا من دخول المساجد على كلّ حال فأمّا المسجد الحرام خاصّة فإنّ المشركين يمنعون من دخوله ولا يتركون ليدخلوه لخصومة ولا لغيرها لأنّ الله تعالى قد أمر بمنعهم من دخوله. انتهى كلامه.
وحاصله أنّ الفرق بين المسجد الحرام وبين غيره في الدخول لضرورة حيث يجوز معها في غيره دونه للتنصيص على المنع من دخوله على الإطلاق في قوله (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) الآية ، وإلى هذا يذهب مالك من العامّة ، وخصّ الشافعي المنع بالمسجد الحرام دون غيره من المساجد لجلالة قدره ومزيد شرفه وللتصريح بذلك في قوله (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) وجوّز أبو حنيفة دخول المساجد