(شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) بإظهار كفرهم فإنّه نصبوا أصنامهم حول البيت وطافوا حوله عراة وسجدوا لها كلّما طافوا شوطا ، وعن الحسن لم يقولوا نحن كفّار ولكن كلامهم بالكفر شاهدين عليهم ، وقيل : هي اعترافهم على ملل الكفّار كنصرانى بأنّه نصراني روي أنّه لمّا أسر العبّاس يوم بدر ويوبخه عليّ عليهالسلام (١) بقتال رسول الله وقطيعة الرحم. فقال : تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا فقال : أولكم محاسن؟ قالوا نعم : إنّا نعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحجيج فنزلت :
(أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي وقعت باطلة كما هو ظاهر البيضاوي ، وفيها دلالة على بطلان أعمال الكفّار وعدم صحّة شيء منها ومنعهم العمارة لو أرادوها. فتأمّل.
(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ) نفي تعالى بالآية السابقة صلاحيّة المشركين لعمارة المساجد فإن في ذلك جمعا بين أمرين متنافيين وحصر في هذه الآية عمارة المساجد فيمن اجتمعت فيهم الأوصاف المذكورة كما دلّ عليه قوله :
(مَنْ آمَنَ بِاللهِ) أى بوحدانيّته.
__________________
ـ ويعقوب ليس من السبعة ، وقد قرء من غير السبعة بالافراد على ما حكاه المفسرون ابن عباس وسعيد بن جبير وعطا بن أبى رياح ومجاهد وابن محيصن وسهل ، وقرء الباقون بالجمع ، واختاره أبو عبيدة قال النحاس : لأنه أعم ، والخاص يدخل تحت العام ، وقد يحتمل أن يراد بالجمع المسجد الحرام خاصة. وهذا جائز فيما كان من أسماء الأجناس كما يقال : فلان يركب الخيل وإن لم يركب إلا فرسا قال : وقد أجمعوا على الجمع في قوله إنما يعمر مساجد الله.
قلت : قد حكى الزمخشري قراءة التوحيد فيه أيضا انظر الكشاف ج ٢ ص ٣١ وأما رسم الكلمة فقال محمد غوت النائطى الاركاتى في كتابه نثر المرجان ج ٢ ص ٥٣٦ ورسم بدون الالف بعد السين بالاتفاق كما نص عليه الداني مرتين : مرة في رواية قالون عن نافع في هذه السورة ، ومرة فيما أجمعوا على حذف ألفه عموما لانه على وزن مفاعل ووافقه على الشاطبي وغيره : انتهى ، ونقل في مساجد الثانية أيضا الاتفاق على حذف الالف بعد السين في الرسم عن الداني لانه منتهى الجموع على زنة مفاعل.
(١) انظر المجمع ج ٣ ص ١٥ نقله عن تفسير أبي حمزة.