وربّما قيل في الآية : إنّ الردّ بالأحسن للمسلمين ، والردّ بالمثل لأهل الذمّة وهو بعيد لكونه خلاف الظاهر فإنّ ظاهر الآية اختصاصه بالمسلمين. إذ لا يحسن التحيّة للكفّار بوجه بل يجب بغضهم وعدم محبّتهم فإنّهم ممّن حارب الله ورسوله فلا يجوز مودّتهم بتحيّة ولا بغيرها ، وما أجازه بعض العامّة من البدأة بالتسليم عليهم بعيد لا وجه له ، وفي الآية وجهان آخران :
أحدهما : حمل التحيّة على السلام وغيره من أنواع البرّ وقد ذكره الشيخ الجليل عليّ بن إبراهيم في تفسيره ، ولعلّه رواه عن الأئمّة عليهمالسلام.
وفيه بعد لعدم تصريحه بالرواية عنهم عليهمالسلام وأيضا فالظاهر منها التحيّة العالية المتعارفة بين المسلمين بعد ما رفع ما كان متعارفا في الجاهليّة فالحمل عليه بخصوصه أولى من حمله على ذلك وعلى غيره مع أنّ الظاهر أنّه لا قائل بوجوب تعويض كلّ برّ وإحسان.
الثاني : حمل التحيّة على العطيّة وهو قول الشافعي ، وكان في القديم يوجب عوض العطيّة أو ردّها على الواهب ، ولا يخفى بعده عن الظاهر فإنّ المتبادر منها ما عرفت من التحيّة الخاصّة مع أنّ الأصل عدم وجوب ردّ العوض وإثباته بهذه الآية المجملة بعيد بل ردّها مذموم شرعا كما وقع التصريح به في الأخبار ، وعلى هذا فلا وجه للإيجاب بمثل هذا الاحتمال البعيد عن الظاهر ، وبالجملة الظاهر المتبادر من الآية السلام المتعارف بين المسلمين ، ولهذا لا خلاف في وجوب ردّه فيحمل الآية عليه وغيره لا يعلم كونه مرادا فيترك عملا بالأصل.
الثانية : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (١).
(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) أي عباداتى كلّها ، والنسك في الأصل العبادة يقال : رجل ناسك : أي عابد فهو تعميم بعد تخصيص أو المراد قرباتى ، ومنه النسيكة الذبيحة
__________________
(١) الانعام ١٦٢.