تعالى أمر بالإخلاص في العبادة لله الموصوف بكونه خالق العالمين على العموم ، وظاهره استقلاله في الخلق وعدم مدخليّة الغير في شيء منه فاعتقاد خلافه ينافي ذلك. فتأمّل فيه.
الثالثة : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (١).
(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الوليّ قد يجيء لمعان متعدّدة ، والظاهر منها هنا هو المتولّي للأمور كلّها ، والأولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وإنّما قلنا : إنّ الظاهر هذا دون غيره نظرا إلى أنّ الحصر في المذكورين (٢) يفيد كون الوليّ بالنسبة
__________________
(١) المائدة ٥٥.
(٢) الحصر مستفاد من كلمة إنما ، وقد صرح بدلالتها على الحصر فطاحل الأدب ومهرة الفن انظر التلخيص وشروحه الباب الخامس في طرق القصر وكتب الأدب واللغة والنحو لا نطيل الكلام بسردها ، وكفاك استفادة مثل ابن عباس حبر الأمة من قوله صلىاللهعليهوآله : إنما الربا في النسيئة (الرقم ٢٥٥٣ من الجامع الصغير) قصر الربا في ربا النسيئة انظر فيض القدير ج ٢ ص ٥٦٠.
وللإمام الرازي هنا تعصب مكشوف فأنكر كون إنما للحصر انظر ص ٣٠ ج ١٢ الطبعة الأخيرة مع اعترافه بدلالتها في تفسير قوله تعالى (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) وتفسير (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) على الحصر ، واستدل بقوله تعالى (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) ولا شك أن الحياة الدنيا لها أمثال أخرى وأنت خبير بأن المراد بالاية ليس حصر تنظير الحيوة بنفسها بالماء بل حصر المثل المضاف إلى الحيوة الدنيا في الماء المنزل من السماء بمعنى أن كل ما يقدر مثلا لتلك الحيوة فهو لا محالة شبيه بالماء الموصوف بكذا في سرعة الفناء والزوال فالحصر فيها حاصر ، واستدل أيضا بقوله تعالى (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ).
والجواب عنه أولا بالنقض بقوله ـ عز من قائل ـ (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) وهل ينكر دلالة النفي والإثبات على الحصر فإن أنكره فكيف يثبت الإقرار بالتوحيد من كلمة ـ