الوجهة السابقين لها فضل أيضا فتكون صحيحة وهو المطلوب ، واستدلّ بالآية على كون الإخلاص المذكور من أحكام الإسلام الّتي تلزم كلّ مسلم ، وإنّ كلّ مسلم مأمور بذلك لقوله : وأنا أوّل المسلمين. فإنّه يدلّ على أنّ غيره أيضا مكلّف مأمور بذلك وأنّه أوّلهم ، وفيه نظر. إذ يلزم الخروج من الإسلام بالرياء ولا يبعد أن يكون المراد أنّ جميع ذلك هو مالكه ومستحقّه بحيث يجب إيقاعه له تعالى أو الأمر بالقول معتقدا أو باعتقاد ذلك أو المراد وأنا أوّل المنقادين للإسلام الشرعيّ. فتأمّل.
وقال بعض أصحابنا : في الآية إيماء في كون العبادة شكرا لنعمة التربية والإيجاد لذكر هذه الصفة عقيب ذكر العبادة إشعارا بالعليّة.
قلت : لعلّ ظاهره غير مراد. إذ هو يقتضي عدم استحقاق الثواب بالعبادة لوصول العوض إلى العبد والعبادة إنّما تقع شكرا في مقابلة النعمة الّتي أنعم بها عليه ، وهو قول مرغوب عنه فيما بيننا ، وصرّح المحقّق الطوسي في التجريد بنفيه نعم ذهب إليه جماعة من العامّة وصرّح به البيضاوي في تفسير قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) (١) الآية ، وسيجيء إن شاء الله ، ويجوز أن يكون ذكر الوصف هنا للترغيب والتحريص على إيقاع العبادة على وجه الإخلاص. فإنّ الأمر إذا كان ذا نعم عامّة كان ذكرها عند الأمر بالفعل ادعى للمأمور إلى إيقاع الفعل وأكثر حثّا على عدم الترك. فتأمّل.
نعم يمكن الاستدلال بها على وجوب معرفة الله تعالى وإنّ صحّة الصلاة وغيرها من العبادة يتوقّف عليها نظرا إلى أنّه تعالى أمر بقول ذلك ، وظاهر أنّ معرفة القول وفهمه وصدقه مع التعلّقات يتوقّف على المعرفة.
وقد يستدلّ بها على بطلان عبادة من يزعم أنّ لغيره تعالى تأثيرا ما في العالم كما تزعمه المنجّمون في الكواكب ، والحكماء في العقول ولو بعنوان المدخلية بيانه أنّه
__________________
ـ في الخوف والرجاء وما يستفاد من الايات من كون عبادة الأولياء مقرونة بالخوف مثل قوله تعالى (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً).
(١) بقرة ٢١.