وأمّا الحكم المستفاد من الآية فهو مشروعيّة العبادة على الإطلاق ، وحينئذ فلا يحتاج إلى التوقيت في الزمان بل يصحّ فعلها مطلقا إلّا فيما عيّن له الشارع وقتا معيّنا بخصوصه نعم يحتاج إلى التوقيت في كيفيّتها فإنّها ممّا تعبّد الشارع بمثلها فيصحّ الصوم مطلقا إلّا في الأوقات المخصوصة ، والصلاة تطوّعا كذلك وقضاء الصلوات ونحوها من أفراد العبادات ، وقد أغنى من ذكره هنا بيانه في كتب الفروع على التفصيل.
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) في محلّ النصب إمّا صفة ثانية لربّكم أو على المدح والتعظيم أو على الرفع بالخبريّة ، ومعنى جعلها فراشا أن جعل بعض جوانبها بارزا من الماء مع ما في طبعه من الإحاطة بها وصيّرها متوسّطة بين الصلابة واللطافة حتّى صارت مهياة لأن يقعدوا ويناموا ويتقلّبوا عليها كما يتقلّب أحدهم على فراشه المبسوط ، ومن زعم أنّ فيها دلالة على سطح الأرض فقد أبعد لأنّ كرويّة شكلها مع عظم حجمها واتّساع أطرافها لا يأبى الافتراش عليها وإذا كان الافتراش مستهلا في الجبل الّذي هو وتد من أوتاد الأرض فهو في الأرض ذات الطول والعرض أسهل ، وفي الآية دلالة على إباحة السكون في كلّ جزء من الأرض كان على أيّ وجه وإباحة الصلاة في كلّ قطعة منها وكذا سائر العبادات لأنّه ذكر ذلك في معرض الامتنان فاقتضى الإباحة كذلك إلّا ما أخرجه الدليل.
(وَالسَّماءَ بِناءً) قبّة مضروبة عليكم ، والسماء اسم جنس يقع على الواحد والمتعدّد ، وقيل : جمع سما ، والبناء مصدر بمعنى المبنى بيتا كان أو قبّة أو خباء ، ومنه قيل : بنى على امرأته لأنّهم كانوا إذا تزوّجوا ضربوا عليها خباء جديدا.
(وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) من هنا للابتداء سواء أريد من السماء السحاب فإنّ ما علاك سماء ومنه سمّى سقف البيت سماء أو الفلك نفسه فإنّ المطر يبتدء من السماء إلى السحاب ومنه إلى الأرض على ما دلّت عليه الظواهر.
(فَأَخْرَجَ بِهِ) عطف على أنزل.
(مِنَ الثَّمَراتِ) كلمة من للتبعيض. إذ ليس المخرج كلّ الثمرات بل بعضها.