بعبادته عليه ثوابا فإنّها لما وجبت عليه شكرا لما عدّده عليه من النعم السابقة فهو كأجير أخذ الأجرة قبل العمل. انتهى ، وما ذكره من الدلالة على الأوّل ظاهر أمّا الدلالة على كون العبد لا يستحقّ الثواب بالعبادة فغير ظاهرة منها. إذ وجوبها شكرا لا يستلزم عدم الثواب على هذا الشكر بل الظاهر أنّ استحقاق الثواب يترتّب على هذا الشكر الّذي وقع بإزاء النعمة كما يشعر به قوله تعالى (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) الآية ، والحاصل أنّا لو سلّمنا دلالة الآية على أن العبادة وجبت شكرا فلا نسلّم دلالتها على أنّ المكلّف لا يستحقّ الثواب على هذا الشكر الّذي نقوله إنّه يستحقّ الثواب عليه كما اقتضاه الدليل العقليّ ، وأشار إليه المحقّق الطوسي في التجريد بأنّ ذلك قبيح يمتنع صدوره عنه تعالى على أنّه يحتمل أن يكون ذكر النعم فيها للترغيب والتحريص على العبادة والحثّ على عدم الترك فإنّ الآمر إذا كان ذا نعم كثيرة وذكر نعمة عند الأمر كان ذلك ادعى في وقوع الفعل وأتمّ في حصول الامتثال أو يزيد للمأمور به رغبة في إيقاعه وتجانبا عن تركه قال الشيخ في التبيان : ذكر تعالى بذلك عباده نعمه عليهم فآلاؤه لديهم ليذكروا أياديه عندهم فيثبتوا على طاعته تعطّفا عنه بذلك عليهم ورأفة منه بهم ورحمة لهم من غير حاجة منه إلى عبادتهم ولكن ليتمّ نعمته عليهم لعلّهم يهتدون ، وبالجملة استحقاق الثواب على العبادة ثابت في الآيات الكثيرة والأخبار المتظافرة بل إجماعنا منعقد عليه وهو حجّة قاطعة ، ويؤيّد ما قلناه أنّ المنعم إذا كان غنيّا على الإطلاق وهو في نهاية ما يكون من الجود والفضل والرحمة على عباده.
ثمّ إنّه كثيرا ما يذكر نعمة في معرض الامتنان عليهم ، وظاهر أنّ الامتنان إنّما يتمّ مع عدم إرادة العوض فلا وجه بكونها عوضا في مقابلة نعمه على أنّ الظاهر أنّ هذا لم يذهب إليه من المسلمين إلّا نادر ، وليس بمذهب مشهور من المتعبّدين بالشريعة فإنّ الثواب والعقاب كالضروري عن دين محمّد صلىاللهعليهوآله بل كلّ الأديان وبهما يثبت الحشر والنشر والمعاد نعم نقله الشارح الجديد للتجريد عن أبى القاسم البلخي فقط وحاله غير معلوم. فتأمّل.