وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وهي بمعنى كي ومفادها [معناها خ ل] التعليل من غير أن يكون هناك شكّ من القائل بوجه ، ونظيره قولك : اقبل قولي لعلّك ترشد مع أنّه ليس في شكّ من الرشد ، وفايدة التعبير بلعلّ ترقيق للموعظة وتقريب لها من قلب الموعوظ ، ونقل الشيخ عن سيبويه إنّما ورد ذلك على شكّ المخاطبين كما قال تعالى (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) وأراد بذلك الإبهام على موسى عليهالسلام وهارون قال : وفائدة إيراد لفظة لعلّ هو أن لا يحلّ العبد أبدا محلّ الآمن المدلّ بعمله بل يزداد حرصا على العمل وحذرا من تركه.
وقال بعضهم : معنى قوله : لعلّكم تتّقون لكي توقون النار في ظنّكم ورجائكم لأنّهم لا يعلمون أنّهم يوقون النار في الدار الآخرة لأنّ ذلك من علم الغيب الّذي لا يعلمه إلّا الله : أي لعلّكم تتّقون ذلك في ظنّكم ورجائكم ، وأجرى لعلّ على العباد دون نفسه تعالى الله عن ذلك.
قال الشيخ في التبيان (١) : وهذا قريب ممّا حكيناه عن سيبويه ، وعلى هذا فيكون جملة لعلّكم تتّقون جملة حالية من الضمير في اعبدوا : أى اعبدوا ربّكم راجين أن ينخرطوا في سلك المتّقين الفائزين بالهدي والفلاح المستوجبين لجوار الله تعالى ، وفيه تنبيه على أنّ التقوى هي الغاية القصوى من العبادة ، وأنكر صاحب الكشّاف مجيء لعلّ بمعنى كي ، ولكن صرّح صاحب المغني بأنّ كلمة لعلّ لها ثلاث معان وجعل التعليل أحدها قال : وأثبته جماعة منهم الأخفش والكسائي وحملوا عليه قوله تعالى (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٢) واختار في التبيان هذا الوجه ، ونقل عن غيره قولا ، وفي الآية تغليب المخاطبين على غيرهم وإن كان المعنى على إرادتهم جميعا قال البيضاوي (٣) : والآية تدلّ على أنّ الطريق إلى معرفة الله تعالى والعلم بوحدانيّته واستحقاقه للعبادة النظر في صنعه والاستدلال بأفعاله وأنّ العبد لا يستحقّ
__________________
(١) انظر التبيان ج ١ ص ٣٥ ط إيران.
(٢) طه ٣٤٤.
(٣) انظر تفسير البيضاوي ص ١٧ ط المطبعة العثمانية.