(لَكَبِيرَةٌ) لشاقّة على كلّ مكلّف.
(إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) المطمئنّين لله تعالى فإنّهم قد وطنوا أنفسهم على فعلها وعوّدوها إيّاها فلا تثقل عليهم أو لأنّهم علموا ما يحصل لهم من الثواب بفعلها فلا يثقل عليهم ذلك كما أنّ الإنسان يتجرع مرارة الدواء لما يرجوا به من نيل الشفاء ، فمن أمثال العرب : من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل.
(الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) أي يتوقّعون لقاء الله ونيل ما عنده فيطمعون فيه أو يتيقّنون أنّه لا بدّ من لقاء جزاء ربّهم. فيعملون على حسب ذلك بخلاف من لم يتيقّن ذلك ولم يرج الثواب فإنّها عليه مشقّة خالصة فلذلك ثقلت عليه كالمنافقين والمرائين فإنّ إطلاق الظنّ على العلم واليقين غير عزيز في الكلام أو يظنّون انقضاء أجلهم وسرعة موتهم فيكونون أبدا على حذر ووجل كمن يقال لمن مات : قد لقي الله.
(وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) أي بالإعادة في الآخرة أو راجعون بالموت كما كانوا في الحالة المتقدّمة لأنّهم كانوا أمواتا فأحيوا. ثمّ يموتون فيرجعون أمواتا كما كانوا أو راجعون إلى موضع لا يملكه أحد غيره تعالى كما كانوا في بدو الخلق قال في التبيان : وتحقيق معني الآية أنّهم مقرّون بالنشأة الثانية فجعل رجوعهم بعد الموت إلى الحشر رجوعا إليه.
الثانية عشر : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (١).
(وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) الإنصات : الاستماع مع السكوت.
__________________
(١) الأعراف ٥ : ٢ و ٢٠٦.