الباقون وجوب البدأة من الأعلى إمّا أنّه الفرد المتعارف في الغسل فينصرف الإطلاق إليه دون ما عداه ، وإمّا لدلالة الأخبار على تعيّنه وعدم الخروج عن العهدة بدونه ، وفي كلام الوجهين بحث (١) وقد استفاد بعض علمائنا من الآية وجوب النيّة في الوضوء نظرا إلى أنّ المراد الغسل لأجل الصلاة إذ هو المفهوم عرفا من قولك : إذا لقيت الأمير فخذ أهبتك ، وإذا لقيت الأسد فخذ سلاحك : أي لأجل لقائهما ، ولا معنى لفعله لأجل الصلاة إلّا إرادة استباحتها وهو المعنى بالنيّة. وفيه نظر إذ لا نسلّم إرادة ذلك عرفا وإنّما المفهوم منه أنّك لا تلق الأسد بلا سلاح ولا تقوموا إلى الصلاة إلّا متطهّرين ، ومن ثمّ لو كان متطهّرا كفاه في امتثال الأمر ولو كان المطلوب إيقاعه لأجله لم يكف ، وبالجملة فدلالة الآية على وجوب النيّة غير ظاهرة ، وإن كانت الدلالة معلومة من محلّ آخر ، وأنكر أبو حنيفة شرطيّة النيّة (٢) في الوضوء نظرا إلى أنّها غير مذكورة في الآية ، والزيادة على النصّ نسخ (٣) ، ونسخ القرآن بخبر الواحد غير جائز ، والشافعيّ (٤) جعلها شرطا نظرا إلى أنّ الوضوء مأمور به وكلّ مأمور به يجب أن يكون
__________________
(١) أما الأول فقال في الحدائق ج ١ ص ٢٣٦ ، لو تم ذلك لزم عدم إجزاء غمس الوجه واليد في الماء ، وأما الثاني فقال في المدارك على ما نقله في الحدائق ص ٢٣٠ ، إن من الجائز كون ابتداء الامام عليهالسلام بالأعلى لكونه أحد جزئيات مطلق الغسل المأمور به لا لوجوبه بخصوصه ، وأتم الاستدلال أستاذ المصنف شيخنا البهائي في حبل المتين ، وشرح الأربعين على ما حكاه في الحدائق بأنه لو اقتضى البيان وجوب الابتداء بالأعلى للزم مثله في إمرار اليد لوروده كذلك في مقام البيان وهو في ص ٢٦ من شرح الأربعين ط مكتبة الصابرى.
(٢) إلا في الوضوء بالنبيذ ، وسؤر الحمار والبغل ، وقد أشبعنا الكلام في رده ، في تعاليقنا على كنز العرفان ج ١ ص ٣٣ فراجع.
(٣) ولابن القيم الجوزية نقوض وردود عليه في هذا النظر منه أشبع الكلام في ذلك في كتابه اعلام الموقفين ج ٢ من ص ٢٨٧ إلى آخر هذا المجلد ص ٣٩٤ وأتمم الكلام في ج ٣ منه من ص ١ إلى ص ١٤ ولعلنا نشير إلى بعضها في تعاليقنا على هذا الكتاب في موارد مناسبة.
(٤) انظر كتاب الأم للشافعي ج ١ ص ٢٩ ومختصر المزني ص ٢ وفيه استدلال الشافعي لوجوب النية بقوله : الاعمال بالنيات نعم في تفسير الإمام الرازي ذكر استدل الشافعية لوجوب النية في الوضوء بمجموع الآيتين : آية الوضوء ، وآية سورة البيّنة بتقريب ما شرحه ـ