سالمة عنه صرّح بذلك كثير من العلماء سلّمنا كونها مجرورة بالجوار لكن لا يلزم عن وقوع جرّ الجوار مع العطف في الشعر جوازه في غيره. إذ يجوز في الشعر لضرورة الوزن أو القافية ما لا يجوز في غيره فلا يقاس عليه ، ووجّه صاحب الكشّاف قراءة الجرّ بأنّ المراد غسلها حقيقة ، وعطفها على الرؤوس الممسوحة لا لتمسح بل ليبيّن على وجوب الاقتصار في صبّ الماء عليها لكونها مظنّة للإسراف المذموم المنهيّ عنه ، ولا يخفى ما فيه من التعسّف البعيد والتحمّل الشديد فإنّ كلّ واحدة من اللفظتين في اللغة والشرع لمعنى مخالف للآخر ، وقد فرّق بين الأعضاء المغسولة والممسوحة فكيف يكون معنى الغسل والمسح واحدا.
على أنّا نقول : من ذا الّذي قال : إنّه يجب الاقتصاد في غسل الرجلين من غير سرف ، ومتى ينتقل المخاطب بعد عطفها ما على الرؤوس الممسوحة وجعلها معمولة لفعل المسح إلى أنّ المراد غسلها غسلا يسيرا مشابها للمسح ، والعجب أنّه في أوّل الآية لم يحمل الأمر على الوجوب والندب تحرّزا من الألغاز والتعمية ، ولا يخفى أنّهما فيما ذكره هنا أشدّ وأكثر فكلامه كالمتناقض ، وقد ينقل من الأخفش أنّه قال : الأرجل معطوف على الرؤوس في اللفظ مقطوع عنه في المعنى كقوله :
__________________
ـ ليل لائل وصوم صائم تقول : عرب عاربة وعرباء صرحاء ، ومتعربة ومستعربة : دخلاء ليسوا بخلص فعدة من المؤرخين على أن العرب قسمان بائدة وباقية ، ويسمون البائدة بالعرب العاربة أو العرباء ويقسمون الباقية إلى قسمين : يسمون الأول بالعرب المستعربة لأنهم ليسوا بصرحاء في العروبية ، وهم من بنى حمير بن سبا ، ويسمون القسم الثاني بالعرب التابعة للعرب وهم من قضاعة وقحطان وعدنان ، وعدة من المؤرخين يقسمون العرب ببائدة وعاربة ومستعربة ، ويريدون بالبائدة القبائل الهالكة ، وبالعاربة عرب اليمن ومن ولد قحطان ، وبالمستعربة أولاد إسماعيل لانه كان عبرانيا فاستعرب بعد أن اتصل بجرهم الثانية من ولد قحطان وأصهر إليهم ، ويسمى بعضهم البائدة بالعاربة والقحطانية بالمستعربة والإسماعيلية بالمستعربة ، وبعضهم يجعل المتعربة والمستعربة مترادفين ، ويراد بهما الإسماعيلية ، واختلاف المؤرخين في ذلك إنما جاء من تطبيقهم أو أقوال علماء اللغة على التاريخ فإنهم يريدون في اللغة كما مر بالعاربة والعرباء الخلص ، وبالمتعربة والمستعربة الدخلاء.