وصية ـ قال الله تعالى لإبراهيم الخليل عليهالسلام ، يا إبراهيم ما هذا الوجل الشديد الذي أراه منك؟ فقال له إبراهيم : يا رب كيف لا أوجل ولا أكون على وجل ، وآدم أبي كان محله من القرب منك ، خلقته بيديك ، ونفخت فيه من روحك ، وأمرت الملائكة بالسجود له ، فبمعصية واحدة أخرجته من جوارك ، فأوحى إليه : يا إبراهيم أما علمت أن معصية الحبيب على الحبيب شديدة؟
____________________________________
الشرور ، وكانت الشجرة المنهي قربها كان ذلك سببا لوسوسة إبليس ، فضمير (عَنْها) يعود على الشجرة ، أي عنها صدرت الوسوسة من إبليس لعنه الله ، كما سيأتي (أن حب الخير) لسليمان عن ذكر ربه ، أي صدر ذلك الحب من سليمان عن ذكر ربه ، ولذلك مسح بسوقها وأعناقها فرحا بها ، وسيأتي ذلك في سورة ص ، فقوله تعالى (فَأَزَلَّهُمَا) أي ذهب بهما ، وأزالهما انتزعهما ، والمعنى متقارب (فَأَخْرَجَهُما) يعني حواء وآدم (مِمَّا كانا فِيهِ) من النعيم والكرامة لسعادتهما وشقاوته (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) الضمير يعود على آدم وحواء وإبليس ، وجمع بينهم في ضمير واحد لاشتراكهم في المخالفة ، فإن إبليس خالف الأمر ، وآدم وحواء خالفا النهي ، وقد انحصر التكليف الذي يوجب الوعد والوعيد فعله أو تركه بينهما ، واشتركوا في الهبوط ، غير أن آدم هبط إلى الأرض للخلافة كما تقدم لا عقوبة ، فإن المؤاخذة وقعت بظهور السوآت لهما ، وهبطت حواء لأنها محل الولادة للتناسل ، وأهبط إبليس عقوبة ، لأنه لا يعود إليها وأن مصيره إلى دار الشقاء ، وإن اشتركوا في الهبوط ولكن المقاصد مختلفة ، وقوله (جَمِيعاً) تأكيد ، لم يتأخر بعضهم عن بعض ، ولم نستوف تمام القصة هنا لأن الله تعالى ما استوفاها هنا ، ويقع الاستيفاء لها بالوقوف على تكرار ذكرها في كل سورة إن شاء الله تعالى ، وقوله (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) أي يعدو بعضكم على بعض ، فيعدو الشيطان على بني آدم بتزيين مخالفة أوامر الله ونواهيه ، ويعدو بنو آدم على الشيطان بأن يردوا وسوسته في نحره وكلامه في وجهه ويمتثلون أمر الله (ويجتنبون) نواهيه ، فيغيظه ذلك ، فهذه عداوة بني آدم لإبليس ، وأما الذين يسمعون منه فهم أولياؤه وأحباؤه ورفقاؤه في النار ، فالمؤمنون كلهم أعداؤه ، وما عدا المؤمنين كلهم أولياؤه ، فالمخالفات الصادرة من المؤمنين غير مؤثرة في إيمانهم ، لأنهم ليسوا على يقين من مؤاخذة الله بها ، فإن الله قال (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) ولو دخل المؤمن النار في الآخرة فكما يمرض في الدنيا ويتألم حسا ومعنى ، ومقره ومآله السعادة الأبدية في النعيم الدائم ، وليس مقصود إبليس هذه المخالفات الواقعة من المؤمنين ، وإنما مقصوده الإشراك بالله ، وكل ما يؤديهم