متفاوتين في نظرنا ، والأصل واحد ، ومنا الطيب والخبيث ، والأبيض والأسود ، وما بينهما ، والواسع الخلق والضيق الخلق الحرج ، فجميع الناس رحم ، فإنهم أبناء أب واحد وأم واحدة ـ الوجه الثاني ـ لما كان الهباء أصل الوجود ، وتجلّى له اسمه تعالى النور ، من حضرة الجود كان الظهور ، فقبلت صورته صلىاللهعليهوسلم من هذا الهباء فيض ذلك النور ، فظهرت صورة مثلية ، مشاهدها عينية ، ومشاربها غيبية ، وجنتها عدنية ، ومعارفها قلمية ، وعلومها يمينية ، وأسرارها مدادية ، وأرواحها لوحية ، وطينتها آدمية ، فهو صلىاللهعليهوسلم أب لنا في الروحانية ، كما كان آدم صلى الله عليه أبا لنا في الجسمية ، قال صلىاللهعليهوسلم في حديث جابر رضي الله عنه [أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر] فكان صلىاللهعليهوسلم النفس الواحدة التي خلق منها زوجها ، وبه وجد الوجود ، فآدم زوجها من وجه ، لأنه أكمل مخلوق مقابل لها في الوجود ، فهو بهذه النسبة أمّ ، ثم هو أب بالنسبة إلى ذريته وحواء أمّ ، فهي زوجة ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم آدم أبوة النبوة ، كما أن آدم عليهالسلام آدم أبوة الطين ، قال صلىاللهعليهوسلم : [كنت نبيا وآدم بين الماء والطين] فكان صلىاللهعليهوسلم النفس الواحدة التي خلق منها زوجها ، فإنه ما من نبي ـ من آدم إلى عيسى ـ يأخذ إلا من مشكاته ، التي هي فلك الرحمة (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) فهو نازل من حيث روحانيته إلى كل نبي لما أنزل إليه إن فهمت وإن تأخرت طينته ، وذلك معنى قوله : [كنت نبيا وآدم بين الماء والطين] ولذلك تأخر وجود طينته إلى ختم النبوة ، فإن البداية هي النهاية ، وغيره ما كان نبيا إلا بعد استعداده لنزوله عليه ، فكان نبيا حين بعث بفيض الحياة من مشكاته ، ولم يتحقق بها كما تحقق بها صلىاللهعليهوسلم ، وقد نبّه على ذلك بقوله : [مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى قصرا أحسن بنيانه ، وترك فيه موضع لبنة ، فطاف بها النظار يتعجّبون من حسن بنائه إلا موضع تلك اللبنة ، فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة ، ختم بي البنيان وختم بي الرسل] وفي رواية [فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين] ومما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أول شيء خلقه الله تعالى فقال : هو نور نبيك يا جابر ، خلقه الله تعالى ، ثم خلق فيه كل خير ، وخلق بعده كل شيء ـ الحديث بطوله. ـ إشارة ـ قوله تعالى (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) وقوله تعالى (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) دليل على أن الأجسام من جسم واحد والأرواح من روح واحدة ، تنبيه على أن العالم وجد من واحد ، لا إله