الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ، وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ. دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ. يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ).
وهكذا حال النفس الأمارة بالسوء ، لا تذكر الله إلّا في البلاء. وأما في الرخاء فهي لا تعرفه. والنصر والفتح نحو من البلاء. فلا بد من التسبيح والحمد والذكر ، دفعا لسوء النفس الأمارة ، ولأنها عطاء مباشر من الله سبحانه وفضل منه ونعمة.
الوجه الثاني : ليس المراد إيجاد أصل التسبيح والاستغفار لكونه موجودا حتما لدى المؤمن. وإنما المراد زيادته. وإنما عبر بذلك ، لأنه ينبغي الزيادة في ذلك ، بحيث يكون السابق عليها ملحقا بالعدم فكأنه لم يكن يستغفر أصلا.
الشكل الثاني : لما ذا التسبيح والاستغفار مع العلم أن المحل محل الشكر على النعمة؟
جوابه : لأكثر من وجه واحد :
أولا : ما ذكره الرازي (١) في هامش العكبري : قال : قال ابن عباس (رضي الله عنه) : لما نزلت هذه السورة علم النبي صلىاللهعليهوآله أنه نعيت إليه نفسه. وقال الحسن : أعلم النبي صلىاللهعليهوآله أنه قد اقترب أجله ، فأمر بالتسبيح والاستغفار والتوبة ، ليختم له في آخر عمره بالزيادة في العمل الصالح. فكان يكثر من قوله : سبحانك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم. وعن ابن مسعود (رضي الله عنه) : إن هذه السورة تسمى : سورة التوديع. وروي أن النبي صلىاللهعليهوآله عاش بعد نزولها سنتين.
__________________
(١) ج ٢ ص ١٥٩.