إلّا على بعض التفاسير الشاذة. بأن يراد من الكوثر المصدر ، ويسند إلى الرجل تجوزا ، كما يقال : زيد عدل ، أي ذو عدل أو متصف بالعدل. فنحتاج إلى التقدير. وهذا هو الاشتباه الذي وقع به الرازي.
والكوثر يمكن أن يكون بمعنى المصدر : وأن يكون بمعنى اسم المصدر. والفرق بينهما ـ كما أشرنا في درس الأصول ـ : إن المصدر عبارة عن المعنى حال كونه ملحوظا متحركا ومستمرا. واسم المصدر عبارة عن المعنى حال كونه ثابتا قائما بنفسه. فالخير الكثير يمكن أن يلحظ ثابتا مفهوما ، فيكون اسم مصدر ، ويمكن أن نتصور له معنى مستمرا ، فيكون مصدرا.
وعلى ذلك ، فالكوثر هو الخير الكثير أو كثرة الخير ، وعليه تحمل سائر المعاني التي ذكرت للكوثر. حتى أنهاها بعضهم إلى ستة وعشرين معنى ، كما في الميزان (١). وكلها مصاديق بالحمل الشائع منه.
ومن هنا يتضح ما ذكره في الميزان ، حيث قال (٢) : وقد اختلفت أقوالهم في نفس الكوثر اختلافا عجيبا. فقيل : هو الخير الكثير. وقيل : نهر في الجنة ، وقيل : حوض النبي صلىاللهعليهوآله في الجنة ، أو في المحشر ، وقيل : أولاده ، وقيل : أصحابه وأشياعه إلى يوم القيامة. وقيل : علماء أمته. وقيل : القرآن وفضائله كثيرة ، وقيل : النبوة. وقيل : تيسير القرآن وتخفيف الشرائع. وقيل : الإسلام. وقيل : التوحيد. وقيل : العلم والحكمة. وقيل : فضائله صلىاللهعليهوآله. وقيل : المقام المحمود. وقيل : هو نور قلبه صلىاللهعليهوآله ، إلى غير ذلك مما قيل.
أقول : فكل ذلك مصاديق من الكوثر ، ولا تنافي بينها ، وكلها ليست كوثرا بالمفهوم أو بالحمل الأولى. بل هي منه بالحمل الشائع. ومعه يمكن القول بصدق الأقوال كلها من هذه الجهة ، مع وجود حصص أخرى للخير الكثير لم يلتفت إليها المفسرون.
__________________
(١) ج ٢٠ ص ٣٧٠.
(٢) المصدر والصفحة.