وأما إذا التفتنا إلى المعنى الثاني ، وهو إخراج الماء ، لم نجد للمعنى الحقيقي أهمية. وإنما ينبغي أن نلتفت إلى المعاني المجازية. من حيث إن كل صعوبة بمنزلة العصر. ومن هنا يقال ضغط عليه أي أحرجه. فبلاء الدنيا نحو من الضغط على المؤمن لكي يتكامل. قال تعالى (١) : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ).
فهذا البلاء يطهره من الذنوب والعيوب. فكأن الماء الخبيث ، يخرج منه ليبقى بعده نظيفا ، طبقا لفطرة الله الأصلية (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها). وهي طاهرة ما لم تنجسها الذنوب والعيوب.
وهذا لا يختلف فيه الحال في الدنيا عن الآخرة. سواء قصدنا صعوبات يوم القيامة أو عذاب القبر أو جهنم نفسها. فكلها نحو من الضغط والعصر.
فإن كان المراد من الألف واللام : العهد. كان إشارة إلى بلاء الدنيا. وإن كان المراد الجنس شمل كلا الأمرين. وكلاهما يدل على عدل الله وحكمته وتدبيره. وبالتالي يستحق أن يقسم به الله سبحانه ، كما أنه أنسب مع الخسر الموعود به في السورة للإنسان.
ولكن يمكن القول انتصارا للمشهور الذي فهم الدهر ، بوجوه :
أولا : إن فهم الدهر في الجملة حقيقي ، وفهم الضغط مجازي ، والحمل على المعنى الحقيقي أولى.
ثانيا : التناسب بين المعنيين المذكورين : الدهر والضغط. من حيث إنه قد يراد من المعنى الأول : الدهر السيئ وعصر البلاء. ويراد بالمعنى الثاني : البلاء الدنيوي : فيرجعان إلى محصل واحد.
وكلا هذين الوجهين قابل للمناقشة :
أما الوجه الأول : فبأمرين :
__________________
(١) الأنفال / ٤٢.