والحق وحدة لا يكفي ، ولكن الاستقامة والصبر ضروري ، لأن عدمه يلازم عدم الحق. فالصبر معناه استمرار الحق إلى الموت. ولذا ورد عنهم عليهمالسلام (١) : عليكم بالصبر ، فإن الصبر من الإيمان ، كالرأس من الجسد. ولا خير في جسد لا رأس فيه. ولا في إيمان لا صبر معه.
فإن الذي يجزع من البلاء الدنيوي ، أو من الارتداع عن المحرمات ، فإنه يكون مرتكبا للمعاصي لا محالة. وإذ جزع من الطاعات أصبح تاركا لها ، فيؤول الأمر إلى الباطل والفسق (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ)(٢).
ومعه فينبغي أن يستقيم المؤمن ويصمد ويصبر إلى حين موته. لكي يحشر على المستوى الذي مات فيه. فإن الفرد يحشر على المستوى الذي مات فيه. إن حقا فحق ، وإن فسقا ففسق. ولا يفيده أنه كان مؤمنا سابقا ، ولكنه مات فاسقا ، فإن هذا من الإيمان المستودع. قال تعالى (٣) : (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ).
والعمل الشخصي ، والصبر الشخصي لا يكفي ، بل لا بد من «التواصي» بأن يوصي بعضهم بعضا عن طريق الموعظة والتحذير والتذكير. ونستطيع أن نتصور مجتمعا خاليا من ذلك. فكم سيكون فاسدا ومتدنيا ويكون أفراده في خسر لا محالة.
قال في الميزان (٤) : التواصي بالحق أوسع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لشموله الاعتقاديات ومطلق الترغيب والحثّ على العمل الصالح.
أقول : إن قلت : إن التواصي بالصبر مستحب ، لأن الأمر المستحب مستحب.
قلت : الطعن بالصغرى ، لأن الصبر واجب ، لأننا إذا رفعنا الصبر كان
__________________
(١) نهج البلاغة ، ج ٤ ، ص ١٨ (شرح محمد عبده).
(٢) الحجرات / ١١.
(٣) هود / ٦.
(٤) ج ٢٠ ، ص ٣٥٧.