تكون سائر النيران تجاهها كالعدم ، كأنها باردة!!
الوجه الثالث : يمكن حملها على الحرارة المعنوية ، كحمى الوطيس في الحرب. ويكون المراد أنها معذّبة لساكنيها عذابا شديدا ، قال تعالى (١) : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها).
ولكننا ينبغي أن نلاحظ أن (حامية) ليست من الحرارة ، لأنه لا يوجد في اللغة «حماوة». وإنما مادتها من الحماية من السوء والشر والضلال.
فإن قلت : فكيف تكون النار حامية بهذا المعنى؟
قلت : لذلك عدة أطروحات ، نذكر منها :
أولا : إذا كان المراد بها نار جهنم نفسها ، فيمكن القول إن الله تعالى قد يرحم الفرد المذنب ، فيضعه في درك منها أقل من استحقاقه. ومعه يكون هذا الدرك حاميا له عن الدرك الذي يستحقه.
ثانيا : إذا كان المراد بها وصف أمه أي والدته ، في بعض الاحتمالات السابقة ، فإن الأم قد تكون عصبية المزاج ومضرة بولدها أو بناتها ، فيكون ذلك سببا لتربيتهم الدينية والمعنوية. إما لأنها عصبية إلى طرف الحق. وإما لأنها عصبية على طرف الباطل. إلّا أن حال أولادها عندئذ يكون في بلاء دنيوي. والبلاء الدنيوي سبب للتربية المعنوية في نفسه. أو قل : هو مقتضى للتربية ما لم يحصل المانع.
ثالثا : إذا كان المراد من النار الحامية : البلاء الدنيوي ، فهو سبب للتربية المعنوية ، كما قلنا قبل لحظة. مما يوجب كونه حاميا عن عقوبة الآخرة.
رابعا : إذا كان المراد بالنار الحامية ، ما يراه الفرد في القبر والبرزخ والقيامة من مصاعب ونيران. فقد ورد (٢) : أن الله تعالى قد يوجد مثل هذه المصاعب إلى عبده ليخفف عنه عذاب جهنم. أو قد لا يوجب دخوله
__________________
(١) النساء / ٥٦.
(٢) انظر نحوه في البحار ، ج ٦ ، ص ١٦٠.