أولا : إنه يقال عرفا : إني أعلم ما ذا أفعل ، أي في ذلك المورد. فإنه وإن كان يعلم دائما ما ذا يفعل ، إلّا أنه ما دام بصدد حديث معين ، فهو يكون قرينة على أن المراد وجود التخصيص بذلك.
ثانيا : إنه يقال عرفا : إني أعلم ما ذا أفعل ، أي في مقام العقوبة والتنكيل ، وهذا واضح عرفا ، ومن الممكن حمل الآية عليه.
ثالثا : أن يكون بتقدير مضاف ، أو كلمة بين حرف الجر والضمير في قوله : بهم. هو استحقاقهم من الثواب والعقاب أو بمستواهم من الإيمان أو الكفر. غير أن التقدير خلاف الأصل ولا يصار إليه إلّا مع الانحصار.
رابعا : إننا نقدر في المحل المشار إليه معنى : مستواهم ، لأن مستواهم عين ذاتهم ، ولا يحتاج إلى تقدير. فإنه إذا علم بمستواهم علم بهم أنفسهم.
خامسا : ما قاله الرازي ـ كما سمعنا ـ من أن العلم بمعنى المجازات ، مجازا لفظيا ، فتصل إليه النوبة بعد غض النظر عن الوجوه السابقة. وهو وجه رديء لأكثر من مناقشة :
الأولى : إن المستعمل ليس هو لفظ العلم ليكون مجازا في المجازات. بل : الخبير. ولا ملازمة بين قصد المجازات في الآيات الأخرى وقصدها في هذه الآية ، لتعدد المادة. والمعنى لا يكون مجازا بل اللفظ.
الثانية : إنه إذا كان خبير بمعنى معاقب ، لزم استعمال «لهم» لا «بهم». لأن العقاب يتعدى باللام.
اللهم إلّا أن يقال : باستعمال الحرف مجازا أيضا. فنبتلى بمجازين في حين يكفينا في التقدير تجوز واحد. بل لا حاجة إلى التقدير ، كما قلنا ، لأنه سبحانه يعلم بهم أنفسهم.
وهنا نكتة كلامية يحسن مجرد الإشارة إليها ، فإنه سبحانه وإن كان خبيرا بهم دائما ، إلّا أن المراد هنا هو العلم المتجدد في عالم المحو والإثبات ، لا العلم الأزلي.