وقوله جل جلاله (١) : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها). وقوله تعالى (٢) : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ). إلى آخر الآية. وهذا كله يدعم الفكرة الفلسفية الآنفة الذكر.
وأما عدم تمامية الحجة بهذا النوع من الشهادة ، كما أشار الطباطبائي ، فهو غير صحيح ، لأن المفروض أن الدلالة كاملة بحيث يحصل منها العلم أو الاطمئنان ، فلما ذا لا تكون حجة؟
فإن قلت : إن الوحي مختص بالنبوة ، والأرض ليست كذلك.
قلت : ليس الوحي منحصرا بالأنبياء يقينا. بدليل قوله تعالى (٣) : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ... وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى)(٤) ... وفي الروايات المستفيضة : أن الوحي ينزل على أناس ليسوا رسلا. كأمير المؤمنين والزهراء والحسنين والمهدي عليهمالسلام (٥). وهذا يكفي.
بل إن نزوله حاصل حتى على الحيوانات ، كما صرح به القرآن الكريم. إذن فلا غرابة أن تكون الأرض موحى لها.
ويدعمه قول أمير المؤمنين عليهالسلام (٦) : أما بعد فإن الأمر ينزل من السماء إلى الأرض كقطر المطر إلى كل نفس بما قسم لها.
فإن قلت : الأوامر هنا بمعنى الحوادث.
قلنا : كلا ، بل الأمر أكثر من ذلك. فكأنه يشبه قطرات المطر في الكثرة
__________________
(١) الأحزاب / ٧٢.
(٢) النحل / ٦٨.
(٣) النحل / ٦٨.
(٤) القصص / ٧.
(٥) انظر موسوعة الإمام المهدي (ع) للمؤلف : تاريخ الغيبة الكبرى ص ٥٠٥ وتاريخ ما بعد الظهور ص ٢٧٣.
(٦) نهج البلاغة خطبة / ٢٣. ج ١ ص ٦٨ ، شرح محمد عبده.